«أضواء الشمال» للكاتب البريطاني فليب بولمان، هو الكتاب الأول من «ثلاثية مواده المظلمة»، التي تقع تحت تصنيف الفانتازيا العلمية، إلا أن بولمان رفض هذا التصنيف، على الرغم من احتوائها على عناصر وكائنات وأحداث تنتمي إلى عوالم الفانتازيا، وقد تأثر الكاتب بليوناردو دافنشي الذي استوحى فكرة القرناء من لوحته «سيدة مع قاقوم»، والتأثير الأعظم عليه كان من قصيدة «الفردوس المفقود» لجون ميلتون، يقول الكاتب: إن هذا التأثير يرجع إلى قراءته وزملائه القصيدة بصوت عال في المدرسة قبل أعوام كثيرة، ثم إنه اكتشف أن ناشره درس القصيدة أيضاً وأنه مولع بها، وبعد حوار طويل بينهما وافق على كتابة عمل روائي طويل يحاول فيه استدعاء شيء من أجواء الفردوس المفقود التي أحبها كلاهما»، تدور أحداث الكتاب الأول في عالم يشبه عالمنا كثيراً لكنه مختلف عنه في وجوه شتى، ثم يتنقل الكتاب الثاني بين ثلاثة عوالم، هي عالم أضواء الشمال وعالمنا الذي نعرفه، وعالم ثالث يختلف بدوره عن عالمنا من نواح شتى، أما الكتاب الأخير من الثلاثية فيتنقل بين عوالم عدة. وكل هذا جزء من حرب كونيَّة كبرى يشترك في طرفيها مختلف المخلوقات من مختلف العوالم، حرب يعتمد على نتيجتها مصير الموجودات كلها والكون ذاته. مع مزيج أحسن المؤلف نسجه من العلم والسحر والدين والسياسة، بالإضافة إلى طرح عدة أفكار عن المعرفة والجهل، والحرية والسلطة، والشجاعة في مواجهة أخطار أكبر منا في سبيل من نحب، وما يحدث لتقدم الأمم إذا ما استبدت بها سلطات تحلل وتحرم حسب هواها باسم الدين، وكل هذا بلغة قوية وسلسة تعبر عن معان كبيرة، كما يقدم الكاتب شخصياته المتشابكة ببراعة، تجعل من القارئ يتفاعل معها ومع رحلتها الملأى بالغرائب. بطلة هذا العمل المشوق والممتع هي الطفلة «لايرا» وقرينها بانتا لايمون الذي يستطيع التحول لشكل من أشكال الحيوانات، «ماذا لو كانت أرواحنا شيئاً منفصلاً عنا؟ تتشكل بالشكل الذي نشعر به كل لحظة، حين نخاف، حين نحب، حين نشعر بالبرد، ولكن ماذا لو فُصلنا؟ هل نستطيع الاستمرار؟». لايرا فتاة بلا والدين نشأت في كلية أكسفورد، وحين يختفي صديقها «روجر»، تعزم لايرا على العثور عليه وإنقاذه من الأشخاص المجهولين المعروفين باسم «الملتهمين»، وهم جماعة دينية تحاول التخلص من كل من يكتشف الغبار ويفهم ماهيته، كعادة الجماعات الدينية دوماً، وقبل مغادرتها للكلية أعطاها العميد جهاز يساعدها في معرفة الحقيقة، «وهنا تدرك لايرا دورها، وأن في انتظارها شيئًا آخر أخطر، شيئًا جسيم العواقب يقبع في أضواء الشمال نفسها، وقد يتجاوزها إلى ما هو أبعد».