لا يدرك الكثيرون أهمية الإبلاغ عن حالة عنف أسري! نظراً لأنهم يعيشون ضمن أُسرٍ مستقرة، فيتصورن أن حالات الإيذاء والمآسي العائلية لا تحدث سوى في الأفلام والمسلسلات، أو مجرد قصص تتداول عبر رسائل الواتساب! بينما واقع أي مجتمع يفصح عن وجود حالات تستلزم عدم التردد بالإبلاغ عنها. هناك العديد من الممارسات التي يقوم بها البعض تجاه زوجته أو أبنائه أو حتى والديه تُعد عنفاً أسرياً، لذا يعتبر العنف الأسري جزءاً من الإيذاء، والذي تنبهت لمكافحته بلادنا مبكراً، وورد بشكل محدد في نظام "الحماية من الإيذاء"، الصادر عام 2013م، وهو "كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية، أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر"، ومن أمثلته: الإيذاء النفسي والجسدي واللفظي، الاستغلال، التحرش أو الاستغلال الجنسي، وغيرها، وغني عن القول إننا نعرف جميعاً كثيراً من صوره مما يحدث في حياة بعض الأسر، دون أن يجرأ أحدٌ على التحرك. منذ سنوات أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مركز بلاغات العنف الأسري "1919"، الذي يهدف إلى تمكين المواطنين والمقيمين من الحصول على المساعدة حال تعرضهم أو أي شخص للإيذاء، وهو ما يؤكد حرص الوزارة على أولوية سلامة الأشخاص من خلال حمايتهم من تكرار العنف، ويستهدف التعامل مع كافة بلاغات العنف الأسري داخل نطاق الأسرة، ويخدم النساء بجميع الفئات العمرية وكبار السن داخل نطاق الأسرة، والأطفال دون الثامنة عشر خارج نطاق الأسرة، والأشخاص ذوي الإعاقة. والمميز في المركز الذي يعمل على مدار الساعة، عبر منصات مختلفة، أن من يستقبل البلاغات -وبسرّية مطلقة- هن أخصائيات نفسيات واجتماعيات مدربات من بنات وطننا، يفهمن ثقافة المتصل ويتفاعلن معه باحترافية، ويقمن بفتح قنوات الاتصال مع جهات الحماية والإنقاذ المربوطة بالمركز بحسب ما تتطلبه الحالة مثل الشرطة أو وحدات الحماية من الإيذاء، وقد يتطلب الأمر إحالة الحالة إلى الجهات الأمنية للتحقيق، وفي بعض الحالات الخطرة تبلغ الشرطة أو النيابة العامة أو حتى الإسعاف، ثم يتم عبر وحدات الحماية تقديم الخدمات الإيوائية والاجتماعية والنفسية والصحية، كما يقدم المركز الاستشارات الأسرية والنفسية والاجتماعية ومتابعة الحالة لحين استقراراها، وكذلك تقديم الدعم القانوني إذا لزم الأمر. ولأن نشر ثقافة الإبلاغ لا تساهم فقط في منع تكرار الإيذاء، بل حتى ردع من تسول نفس إيذاء الآخرين، ويرفع من ثقة الأشخاص بأنفسهم، ويمنع عنهم الوقوع في صدمات نفسية قد تعيقهم في حياتهم؛ فمن الضروري متى ما سمعت أو شاهدت عنفاً أسرياً ألا تتردد عن الإبلاغ، فقد يكون الشخص الذي يتعرض لهذا العنف غير قادراً على مواجهته أو حتى الإبلاغ عنه، فتكون أنت طوق نجاته الوحيد.