من أهم عوامل النجاح في الحياة بعد توفيق الله الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، فمن خلالها يتم اختصار الكثير من الوقت والجهد والمال، ويستطيع الشخص معرفة ما يفيده فيسارع إليه ويعلم ما يضره فيبتعد عنه، ويعتبر المجتمع الوظيفي بيئة ملائمة للاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين بشكل مباشر، ولأن لكل قاعدة استثناء، فإننا نرى البعض يكرر أخطاء من قبله، فتجد بعض أصحاب المناصب يغفلون عن تجربة من سبقهم عند مغادرة المنصب، ويغيب عن أذهانهم أن دوام الحال من المحال، وأنه لا يمكن للشخص الاستمرار في منصبه للأبد، يقول الشاعر: إن المناصب لا تدوم لواحد فإن كنت في شك فأين الأول فاصنع من الفعل الجميل فضائل فإذا عُزلت فإنها لا تُعزل ويقول العميد ركن عبدالعزيز الجهني في كتابه «شموع في الإدارة»: (رغم أن الكرسي دوّار، والحياة متقلبة، والمناصب لا تدوم لأحد، فإن البعض لا يفهم ذلك إلا بعد أن يُلقى به خارج المنظمة، رغم أن هذا الشيء تكرر أمامه عشرات المرات، يُصرّ على أن يعيش ألم التجربة ويكون لغيره عبرة! تذكر: وُجدت المناصب لتساعدنا على لذّة العطاء، أرح ضميرك وتجهز للرحيل)، وأحسب أن الكثير منّا رأى وسمع عن مسؤولين غادروا مناصبهم فلم يعد يذكرهم أحد، وبالمقابل نجد بعض المسؤولين لاتزال أفعاله الطيبة عالقة بالأذهان، وذكراه العطرة تملأ الوجدان، وذلك لأنهم بفضل الله عليهم كانوا يعلمون أن المنصب تكليف لا تشريف، لكنّهم نالوا التشريف بأداء العمل بكل أمانة وإخلاص، وعملوا بما يرضي الله عز وجل واتباع الأنظمة وما يحقق المصلحة العامة، وأقاموا العدل والتعامل بالحسنى مع المرؤوسين، وابتعدوا عن التحيّز والتحزّب وكل ما يؤثر سلباً في بيئة العمل، وهذا ما جعلهم يستحقون بفضل الله الذكر الحسن، لكن عندما يكون المنصب أكبر من الشخص، فإنه لا يمكنه عمل ذلك وتطبيقه، وحينها يظهر التخبط الإداري بشكل مستمر، وتنتشر السلبيات في المنظمة، ويساعد على ذلك وجود البعض من الموظفين الذين يحيطون بالمسؤول وينقلون له من المعلومات ما يصبّ في مصلحتهم إن لم يقوموا بنقل معلومات خاطئة في بعض الأحيان، وهؤلاء هم أول من يتخلى عن المسؤول عند مغادرته للمنصب، وهم الذين ينطبق عليهم قول أبو العتاهية: ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت عليه بما لا يشتهي وثبوا فما أجمل أن يغادر المسؤول منصبه وقد أراح ضميره بعمل ما يرضي الله عز وجل وبما يخدم الوطن والمجتمع وبما يجعل الآخرين يستذكرون حسن تعامله، والأجمل من ذلك وقبل مغادرة المنصب أن يستحضر أثناء عمله قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اللهم من وليّ من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن وليّ من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)، ولنتذكر جميعا مقولة: (كن لطيفا مع الناس في الصعود، فإنك ستقابلهم مجددا في طريقك للهبوط)، وفق الله الجميع لكل خير.