الشعر والعمل الأكاديمي، وأهمية اللغة العربية ومكانتها في المملكة، ومستوى المنتج الإبداعي المحلي إضافة إلى محاور أدبية أخرى تحدث عنها الأديب والشاعر الدكتور أحمد بن عيسى الهلالي، عضو مجلس إدارة نادي الطائف الثقافي ورئيس جماعة فرقد، في حوار خاص أجرته «الرياض» وجاء فيه التالي: * في البداية، بوصفك أكاديمياً وأستاذاً جامعياً، كيف جمعت بين الشعر ولغته المجنحة وبين صرامة المنهج العلمي؟ * لكل منهما لغته المختلفة، وأرجو حقا أنني وفقت في الجمع بينهما دون أن يؤثر أحدهما على الآخر، وعلى كل حال فللشعر لحظته الخاصة التي تنكشف فيها مداراته اللغوية الخاصة، بمجازاتها وأخيلتها وإيقاعها، وذلك ما لا يكون في لحظة اشتغال الوعي في موضوعات المعرفة والبحث. * تقوم المملكة بجهود كبيرة للحفاظ على اللغة العربية، كيف تنظر إلى ذلك؟ * أنظر بعين الرضا والاعتزاز تجاه الجهود السعودية في خدمة اللغة العربية، فالاهتمام يأتي من رأس الهرم، خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - ممثلا في مجمع الملك سلمان للغة العربية، ويمتد عبر المؤسسات الحكومية والأهلية والمبادرات الجماعية والفردية، وأثر هذه الجهود ملموس في واقع اللغة العربية داخل المملكة وخارجها. * تحولات عديدة عاشها الشعر العربي عبر التاريخ، من حيث لغته وبحوره، كيف تراه اليوم؟ * ما يزال الشعر في مقدمة الفنون الإبداعية العربية، وحضوره إلى جوار الفنون الإبداعية الأخرى ليس حضورا تنافسيا ولا تفاضليا، بل يحضر بوصفه قيمة إبداعية متجذرة في الوجدان العربي، لا يمكن بحال أن يغيب، أو يحجبه فن قولي آخر، فهو أساسي في الوجدان والذائقة، وفي تكوين الذات العربية أشبه ما يكون بالأكسجين أو الماء. * ماذا عن الشعراء السعوديين، وأين مكانهم بين الفنون الإبداعية الأخرى عربيا؟ * يحتل الشعراء السعوديون المعاصرون مكانة مرموقة بين الشعراء العرب، ولهم حضورهم المميز عبر الملتقيات الشعرية والبرامج والجوائز، فهم امتداد أصيل للقصيدة العربية ولشعرائها الأوائل، أما مكانهم بين الفنون الإبداعية الأخرى فلا مجال للمقارنة والمفاضلة إلا داخل دائرة الفن الشعري، إلا إن كان منهم من يمارس كتابة الفنون الأخرى كالرواية والقصة، فيمكن أن يُصار إلى تحديد مكانه بين القاصين والروائيين. * ماذا عن "مجلة فرقد" ومشروعكم الأدبي عبرها، في ظل التحولات التي تعيشها الأندية الأدبية؟ * مجلة "فرقد" هي إحدى المبادرات المنبثقة عن جماعة فرقد الإبداعية بأدبي الطائف، شارفت على إصدار العدد 100، تُعنى بالإبداع الأدبي والفنون البصرية، وتهدف إلى إثراء المحتوى الثقافي الرقمي العربي، ونأمل أن يكون مستقبلها الاستمرار ومواصلة العطاء، حتى في ظل التحولات المؤسسية للأندية الأدبية، خاصة وهي تكرّس جهودها في خدمة المشهد الثقافي، ولا تثقل كاهل النادي عبئا ماليا، في ظل اعتمادها على فكرة التحرير التطوعي. * أي إصداراتك الأقرب إليك، وماذا عن جديدك؟ * ربما تكون رواية "سدرة المنتهى" أقرب إصداراتي إلى نفسي، ذلك لأنها تختزن كثيرا من أفكاري ورؤاي، وعبرت عن ذاتي تعبيرا استوفى الكثير مما كان يجول في خاطري وأفكاري، أما الجديد فما أزال أراوح بين خيارات مختلفة، لا أستطيع الكشف عنها إلا حين أتخذ قرار الإبحار. * كيف ترى أثر الأندية الأدبية في تشكيل الوعي الثقافي، وكيف تنظر إلى مستقبلها؟ * نهضت الأندية الأدبية خلال العقود الماضية بمهمة تشكيل الوعي الثقافي، وأدت رسالتها الثقافية أداء شهد به المهتمون في الداخل والخارج، وأرى أنها ستواصل مسيرتها في خدمة الإبداع الأدبي والثقافي في تشكلها الجديد، مستفيدة من خبراتها العميقة في المشهد الثقافي، ومن الدعم السخي لوزارة الثقافة، وأرجو أن تزداد أعدادها بعدد محافظات ومراكز الوطن. * كيف تنظر إلى المنتج الإبداعي المحلي، خاصة بعد حصول عدد من الروائيين على جوائز عالمية؟ * المنتج الإبداعي المحلي على مستوى السرد والشعر في صعود مستمر، وتتويج عدد من المبدعين السعوديين في الشعر والنثر بجوائز عالمية ومحلية دليل على تميز المنتج الإبداعي وتفوقه، أما المستقبل فمشرق بإذن الله، خاصة في ظل عناية وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة بالإبداع الأدبي، من خلال البرامج والمبادرات المميزة في هذا الشأن، كالشريك والوكيل الأدبي والمعتزل الكتابي والترجمات وكثرة الفعاليات الأدبية، وتعدد معارض الكتب، وبرنامج الابتعاث الثقافي وغيرها من المبادرات والبرامج. * ماذا عن القصيدة الحديثة، وقصيدة النثر التي يرى البعض أنها لا تنتمي إلى الشعر، وماذا عن الحركة النقدية المحلية في خدمة المنتج الإبداعي؟ * القصيدة الحديثة بأنواعها الثلاثة العمودية والتفعيلة والنثر لافتة ومدهشة، فقد استطاع الشعراء المعاصرون أن ينفخوا حياة جديدة في دماء القصيدة العربية، فعادت القصيدة العمودية إلى واجهة الإبداع الشعري بحيوية وثابة، ومعطيات شعرية مميزة، ورؤى جديدة مدهشة، واستحوذت على عناية الشعراء والمتلقين نقادا وقراء، وما تزال قصيدة التفعيلة حاضرة في موقعها المعهود، أما قصيدة النثر فقد تقدمت، وأصبحت أكثر قبولا مما كانت عليه، تحضر في الملتقيات الأدبية وفي الفعاليات والأماسي، وتحظى بعناية النشر والتلقي؛ بعد أن غلبت روح التسامح أكثر من غيرها على المشهد الثقافي، ولم يعد التعصب للأنواع الأدبية يلفت الانتباه أو يؤثر. أما الحركة النقدية في خدمة المنتج الإبداعي فما تزال أقل من المأمول، والأقلام المشغولة بالتلقي والقراءة النقدية الواعية قليلة قياسا بالإنتاج الإبداعي، وأظن أن الهوة تتسع في ظل تعدد المنصات وكثرة الجوائز الإبداعية، وانشغال النقاد بشؤون أخرى. مؤلفات د. أحمد الهلالي د. أحمد الهلالي