هلْ جربتَ يومًا أنْ تُحصي عدد الكلمات التي تسمعها في اليوم؟ عدد النصائح والتوصيات التي تتشرَّبها على مدار الساعات؟ هلْ فكرتَ لثانية واحدة -على الأقل- كمْ أنتَ مُثقّل؟! كم تحتاجُ إلى تنقيَة ما بداخلك حتى تسيرُ أمورك بخفّة؟ الأغلبية وعلى اختلاف مساراتهم في الحياة مُثقّلون، أيامهم ثقيلة، خطواتهم ثقيلة، يسيرون ببطءٍ شديد، لكن -بناء على ما يقولون- أنّهم رغم الظّروف مُستمرّون! هلْ فكّر أحد منكم أنه بحاجة لأنْ يُخصّص له وقت بشكلٍ يومي؛ كي يتنفس! نعم، لا تستغرِب لمْ أكتب ما يُثير الغرابة، عليكَ أنْ تتنّفس وأقصُد بها المعنيان الحقيقي، والمجازي. بالمعنى الحقيقي عليكَ أنْ تتنفس التنفس العميق وهو ما يسمى (بالتنفس البطني)، مُتعارف عليه في علم النّفس، ويتمثّل في أن تضع إحدى يديك فوق صدرك، واليد الأخرى فوق بطنك، ثم تبدأ بسحب الهواء عن طريق الأنف حتى تشعُر بارتفاع يدك الموضوعة فوق بطنك (وهو ما يشير إلى انتفاخ البطن) ثم تبدأ بإخراج الهواء من الفم بهدوءٍ تام. استَشِر بها طبيبًا، أو اقرأ ما أجمَعَت عليه الدراسات عن أهميتها وفوائدها، بعدئذٍ تأمل كيف أنّ هذه العملية رغم بساطتها بإمكانها أنْ تُزيحَ عنكَ أثقالًا عديدة! ثم ابدأ بتطبيق المعنى المجازي للتنفُّس، والذي يعني من وجهة نظري (التّواصل) مع خالقك أولًا ثم مع ذاتك، أرى من الضروري أن تخصّص لكَ وقتًا؛ لتُخبر الله عن كل ما تحلم به وكل ما يُرهقك، لتتقرّب منه أكثر، لتدعوه بصدقٍ، وتبتهل إليه. من الضروري كذلك أنْ تخصص وقتًا؛ كيْ تفهم ذاتك، اِفهَم ما يُزعجك بدقة، وضَع أمام عينك جميع الاحتمالات المُمكنة لحلِّه، أو دَفْعه بعيدًا عنكَ، فكّر كيف ستبدأ بالحلّ، كيف ستواجه الأطراف الآخرين وتجعلهم مساعدين لك؛ للتخلص من مشكلاتك بلباقةٍ عالية. فكِّر بالأشياء التي تمنحكَ شعورًا رائعًا، تخيّل المطر إلى أنْ تشعُر أنّكَ بدأتَ تتبلّل بالفعل، تخيّل أنّكَ تركض بين حقول الزهور إلى أنْ تشعُر بأنّك تشمّ رائحة الزهور بالفعل، تخيّل شكلك وأنتَ تبتسم بارتياحٍ تام إلى أنْ تشعُر بأنّكَ تبتسم لا إراديًا، فكِّر بالكيفية التي تحلم أنْ تَرى نفسك عليها، كُن حقيقيًّا، وصريحًا، ومتصالحًا، وداعمًا. استرخِ وجرّب أنْ ترى نفسك من الداخل، أنتَ الذي تقضي معظم يومك مع التقييمات الخارجية، والصور النمطية، والمظاهر البراقة، انظُر إلى الداخل وافهمه، توغّل في الأعماق وافهم ما يُمكنك فعله؛ لتحقيق ذاتك، لإسعادك، ولإزاحة الأذى عنكَ، اِفهم نفسك؛ لأنّ أحدًا ما لنْ يفعل قبل أن تفعلْ! حاول أن ترى نفسك مُجرّدة من كلّ الأشياء المُزيّفة، واِحتضنها بجوهرها، اِحتضنها بمبادئها الرفيعة، وقِيَمها القيّمة، أشبِعها بالحُب والاهتمام، حتى لا تتسوَّله هُنا وهناك. بإمكاني أن أفهَمُ كيفَ يُمكن أنْ تأخذنا أمور الحياة، وكيف يُمكن أن تُبعدنا لفترات عن أحبّ الأشياء إلى قلوبنا، وكيف يُمكن أن تُبدِّل خُططنا وتُحوِّرها. بإمكاني أنْ أفهَم أمورًا كثيرة قدْ يضطرّ الإنسان لتركها بسبب انشغالات الحياة؛ لكن لا أفهم أبدًا كيف يحيَى دونَ أنْ يتنفَّس؟!