الكهرباء نعمة من نعم كثيرة أفاء الله بها علينا حتى أضحت حياتنا بدونها أمرًا لا يمكن تحمله أو حتى مجرد تصوره، فلنتخيل مثلا انقطاع الكهرباء وحرماننا منها ولو لفترة قصيرة فما مدى الضيق والسأم والضجر والتبرم وعدم الراحة الذي سنعاني منه، ناهيك عن حجم الخسائر المادية التى سنمنى بها نتيجة لذلك. وإن كانت الكهرباء حيوية ومهمة تجعلنا في أمس الحاجة لها في مناحٍ شتى في حياتنا لكننا للأسف قد لا نعرف الكثير من أسرارها وخفاياها وكيفية استخدامها والتعامل معها ونعي قواعدها وأصولها وتدابير الأمن والسلامة الواجب توخيها والأخذ بها للوقاية من أثارها الوخيمة وخسائرها الفادحة. ولهذا الغرض فإن رغبة وتوجه هذا المقال هو إتاحة وتقريب بعض السمات المعرفية والمعالم الثقافية عن الكهرباء وكشف بعض أسرارها الخفية عن ذهنية القارئ بعيدًا عن تداخلاتها المتشابكة وتقنياتها المعقدة، فنبدأ القول إن ثمَّة تماثل وتجانس بين تيار الماء وتيار الكهرباء، فتيار الماء يجري في مواسير ويتدفق من الصنبور حين فتحه ويتحكم في ذلك التدفق ارتفاع الخزان فوق سطح المنزل، فكلما كان الخزان مرتفعًا كان تيار الماء أقوى اندفاعًا وأكثر تدفقًا، والتيار الكهربائي كذلك على نفس المنوال يسير في أسلاك وكابلات بسبب دفع الجهد (الفولت) الذي يشبه خزان الماء. أما كيفية توليد الطاقة الكهربائية فهناك نوعان من المصادر فإما من البطاريات على اختلاف أنواعها وإما من المولدات في محطات التوليد. والذي يعنينا هنا في هذا المقال هو المصدر الأخير الذي يعتبر الأكثر استخدامًا وانتشارًا وتفاعلاً في حياتنا اليومية، فالكهرباء التي نستخدمها دخلت كل أنماط حياتنا وازدادت الحاجة لها والاستفادة منها والاعتماد عليها في المنازل وفي المدارس والمكاتب والمتاجر وفي المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية والترفيهية، كما تستخدم كذلك في وسائل النقل والاتصالات والطب والتبريد والتدفئة والطهي وفي شتى مجالات الحياة، ذلك لأن الطاقة الكهربائية تتحول بسهولة ومرونة إلى أشكال أخرى من الطاقة وبمردود ذي كفاءة عالية كالطاقة الحرارية والحركية والصوتية والضوئية. والكهرباء تسير في الأسلاك بحركة خفية لا تظهر لرؤية العين المجردة فنحن لا نراها أو نحس بها كما هو الحال مع سريان الماء وجريانه وتدفقه. تسير الكهرباء في الموصلات السلكية على شكل موجات تناوبية يشكلها دوران المحرك الكهربائي فكل موجة تتغير على شكل ذبذبات في جزءٍ من ستين جزءٍ من الثانية وهي فترة جد قصيرة إذا قيست بفترة الثانية الزمنية المتناهي في الضآلة والصغر، وقد تقصر هذه الفترات الزمنية لهذه الذبذبات لتصل إلى آلاف جزءٍ من الثانية في الأجهزة الإلكترونية واللاسلكية بل إلى ملايين في أجهزة الأفران الدقيقة (الميكروويف)، وقد تصل لمليارات الذبذبات في الأشعة المعروفة بألفا وبيتا وجاما وهي أشعة عالية الطاقة سريعة النفاذ. إذن عرفنا بعض خصائص تلك الموجات والآن لنتعرف على كيفية رد فعل الأجهزة الكهربائية عند انقطاع الكهرباء، والأفضل بل الأهم أن نعرف ماهية وطبيعة ونوعية تلك الأجهزة الكهربائية التي نستخدمها في منازلنا بشكل يومي. تنقسم تلك الأجهزة إلى ثلاثة أقسام رئيسة من حيث سحب التيار الكهربائي وحجم استهلاكها للطاقة الكهربائية، فأولا تلك الأجهزة ذوات الاستهلاك المتدني مثل المذياع والمروحة ومصابيح اللد الموفرة والساعة الكهربائية والشواحن على اختلاف أنوعها، ثم تأتي بعد ذلك الأجهزة ذوات الاستهلاك المتوسط مثل المراوح وأجهزة الحاسب والتلفزيون والثلاجات والغسالات والمكانس والمكيف الصحراوي، وبعد ذلك تأتي الأجهزة ذوات الاستهلاك العالي مثل السخانات والغلايات والدفايات والنشافات والأفران والمكيفات بأنواعها الثلاثة: الشباك والمجزأ والمركزي. وكل واحد من هذه الأجهزة المذكورة له نمطه الخاص المرتبط بزمن التشغيل اليومي والموسمي والاستهلاك الكهربائي، والسؤال الذي يعنينا هنا هو ما الذي يجب علينا أن نفعله عند انقطاع الكهرباء؟ والجواب هو أن معظم انقطاعات الكهرباء تأتي من جانب الشركة وبخاصة في فصل الصيف لتعاظم الأحمال والتشغيل المستمر لمعدات التكييف مما يسبب ضغوطا قد لا تتحملها الشبكات وتتجاوز قدراتها المقننة، وقد يكون هناك انقطاعات لدواعي الإصلاح والصيانة، وهنا على الشركة أن تخطر مشتركيها بتاريخ وتوقيت وفترة هذا الانقطاع لاتخاذ الاستعدادات الضرورية والاحتياطات اللازمة لتجنب التكاليف المترتبة جرَّاء هذا الانقطاع وبخاصة إذا جاء مفاجئا دون سابق إنذار، فهنا عليك أن تبادر وعلى الفور بإطفاء جميع الأجهزة العاملة وقت الانقطاع وبخاصة تلك التي تحتوي على محركات ميكانيكية كالمروحة والمكنسة والمكيفات (العادية والصحراوية والمركزية) ومحرك ضخ المياه وغسالة الملابس والصحون ومجففة الشعر وآلة الخياطة، لأن الكهرباء إذا عادت فسيسري التيار الكهربائي في كل تلك الأجهزة والمعدات التي لم يتم إطفاؤها بعد حدوث الانقطاع في آنٍ واحد الأمر الذي سيولد تيارًا هائلا مندفعًا بشكل عال وحجم كثيف قد لا تتحمله أسلاك دوائر التمديدات والأجهزة والمعدات الكهربائية، وتعرف هذه الظاهرة في علم الكهرباء بظاهرة "التموُّر" وهي مشتقة من الآية الكريمة: "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا" الطور: 9 وذلك لعظم حجم ذلك التيار المندفع بعد فترة الانقطاع. وأخيراً علينا أن ندرك أن الكهرباء ربما تصبح صديقاً ودوداً أو عدواً لدوداً فيجب علينا إذن أن نعي حسن استخداماتها وتطبيقاتها حتى نحافظ عليها وننعم بها من جهة ونتقي كوارثها وأخطارها المدمرة من جهة أخرى. * جامعة الملك سعود