أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير كورنيش الحمراء بالدمام (الشاطئ الغربي)    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    غربلة في قائمة الاخضر القادمة وانضمام جهاد والسالم والعثمان وابوالشامات    تمديد الدعم الإضافي لمستفيدي «حساب المواطن» حتى نهاية 2025    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات.. والسياحة والمطاعم تتصدر الأنشطة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قافلتا الحج المصري والشامي كانتا الأكبر.. وعدد الحجاج لم يتجاوز 120 ألف حاج
نشر في الرياض يوم 26 - 06 - 2023

قامت الدولة السعودية الأولى في قلب نجد في منتصف القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، لتخلق واقعاً جديداً ترك أثره على مناحي الحياة كافة؛ ليس فقط في نجد؛ وإنما في الجزيرة العربية كلها، ثم تعدى هذا الأثر حدود الجزيرة العربية إلى جيرانها بل إنه ذهب أبعد من ذلك، ليؤثر على إمبراطورية كبرى بحجم الإمبراطورية العثمانية، كانت قوافل الحجيج التي تشقُ الأرض شقاً، وتمخر عباب البحار إلى الأماكن المقدسة كل عام، هي الأشدُّ تأثرًا بهذا الواقع الجديد الذي تمثل في ميلاد الدولة السعودية الأولى.
إن هذه الحقبة التاريخية شهدت بدايات الضعف ثم الانهيار للدولة العثمانية، وكذلك ظهور حركات الاستعمار الأوروبي في العديد من المناطق، ومن هنا كانت أهمية قوافل الحج وتنظيماتها، وكذلك الطرق التي كانت تسلكها تلك القوافل ثم الخدمات التي تم إنشاؤها على تلك الطرق، والمشكلات التي كانت تواجه الحُجَّاج أثناء سيرهم.
أئمة الدولة السعودية فرضوا على الحجاج المارين بهم من العرب والعَجَم أن يُضيّفُوهم ثلاثة أيام بلياليها
أنواع القوافل
معنى القافلة: يرد معنى القافلة في المصادر اللغوية بأنه ابتداء السفر والرجوع منه (أي الذهاب والإياب).
(حيث إن القفول هو الرجوع من السفر، فأخذ منه القافل والقفل أيضاً: القفول. نقول جاءهم القفل والقفول. واشتق اسم القافلة من ذلك؛ لأنهم يقفلون تفاؤلاً بقفولها عن سفرها الذي ابتدأته وأن العرب مازالت تسمي الناهضين في ابتداء الأسفار قافلة تفاؤلاً بأن ييسر الله لها القفول وهذا شائع في كلام فصحائهم إلى اليوم). وليس معنى القافلة هو الراجعة من السفر فقط، بل من عد ذلك فقد غلط، بل يقال أيضاً للمبتدئة بالسفر أيضاً تفاؤلاً لها بالرجوع.
استقرار الدولة السعودية الأولى أدى إلى تأمين الحجاج المارين بأراضيها ومنع العُرْبَان من التَّعَرُّض لهم بأذى
تكوين القافلة
تتكون القافلة قديماً من أعداد كبيرة من المسافرين خاصة في موسم الحج، فيكون هناك المسؤولون لتولي المهمات المختلفة سواء في إعدادها وتشكيلها لتكون جاهزة للانطلاق وأخذ الاستعدادات المطلوبة لذلك، مثل التزود بالمراكب كالإبل والخيل وتوفير الماء والطعام والمواد الضرورية كالخيام والأمتعة المختلفة. ويكون أمير القافلة مرافقاً لهذه الحملة أو من ينيبه مع وجود المساعدين له، والحاشية وتوفر رجال الحراسة الجنود والأدلاء الذين يعرفون الطرق والأماكن، ثم يلتحق حجاج البلد بهذه القافلة بعد اتفاقهم على مكان الاجتماع وتحديده. وقد يلتحق بهذه القافلة الحجاج من خارج مناطقهم. وقد سارت القوافل العابرة من خارج الجزيرة العربية إلى وضع تنظيمات معينة وما تتكون منه القافلة وما تشتمل عليه خاصة بلاد مصر والشام والعراق.
تعرض قوافل الحجيج للاعتداءات أثناء مراحل سيرها كان يؤثر سلباً على أعداد الحجاج في العام التالي
نوع القافلة*
لم تخضع القوافل النجدية إلى أنماط وأساليب معينة أو أنظمة موحدة سواء في تركيبها أو تشكيلها الداخلي الضامن لها الاستمرار والوجود بصفة متلازمة أو متتابعة، ويعود ذلك لافتقاد السلطة المحلية لمقوماتها السياسية وانعدام الوحدات الإقليمية لهذه المنطقة المشتتة. بعكس الحال كما هو بالنسبة للقوافل الخارجة من شبه الجزيرة العربية والعابرة لأراضيها، حيث وجد لها تشكيلات معينة كفلت بموجبها الوصول إلى بر الأمان قدر المستطاع، فاهتمت بنظام الحراسة والأمن وتوفر المؤن ووجود الأطباء والأدلاء واختيار الأكفاء وتوفير الإمكانات الرسمية وتذليل الصعوبات التي تواجهها.
وتختلف القوافل بحسب اختلاف البلدان التي تتبعها كل بحسب إمكاناته وطاقاته، حيث تشكل في النهاية موكباً عظيماً مع غيرها في أيام الحج. ويشير النابلسي في رحلته إلى مكة بكثرة القوافل القادمة إليها من كل مكان فيقول: (وهي تتبع خلقاً كثيراً خصوصاً أيام الحج، فإنه يرد إليها قوافل عظيمة من مصر والشام وحلب وبغداد والبصرة والحسا ونجد واليمن ومن بحر الهند والحبشة والشحر وحضرموت وعربان جزيرة العرب).
قوافل الحج وتنظيماتها*
يمثل الحج إلى بيت الله الحرام ركناً من أركان الإسلام الخمسة؛ فرضه الله على سيدنا إبراهيم حين أمره الله بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود، ثم أمره أيضاً بالأذان بالحج، لتستمر تلك السفرة عبر الزمن حتى إذا ما ظهر نور الإسلام على الجزيرة العربية ترسخت عالمية هذه الدعوة وهذه الفريضة؛ ليصبح عمرها في الإسلام يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان سارت فيها القوافل عبر العديد من الدروب قاطعة آلاف الكيلو مترات من كل حَدَبٍ. وصوب قاصدة البيت العتيق، مُتَكَبّدة العديد من الصعاب عبر تلك الدروب. وخلال عهد الدولة العثمانية حرص سلاطينها أيما حرص على الحصول على لقب حامي حمى الحرمين الشريفين، باذلين في سبيل ذلك الغالي والثمين من أجل تيسير رحلة الحج إلى الديار المقدسة.
كانت تخرج من العالم الإسلامي إبان القرن الثامن عشر الميلادي أربع قوافل رئيسة للحج، وهي:
قافلة الحج المصري:
تعد قافلة الحج المصري هي القافلة الأولى من حيث الأهمية بين قوافل الحجيج؛ نظراً لما كانت تحمله من خيراتٍ وهبات وصرة إلى سكان الحجاز عامة وسكان مكة والمدينة خاصة. وقد اهتمت الدولة العثمانية مُمَثَلَة في ولاتها على مصر بإعداد القافلة وتجهيز الكسوة والصرة وغيرها، ويظهر هذا الاهتمام من خلال الاحتفالات التي كانت تُقَامُ ابتهاجاً بهذه المناسبة في كل عام، فقد كان يسبق خروج القافلة من القاهرة ثلاثة احتفالات؛ واحد عند الانتهاء من صنع الكسوة ووضعها في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، وثانٍ عند الاستعداد للخروج بها، وأما الاحتفال الثالث وهو الاحتفال الرئيس بخروج المحمل والقافلة، هذا فضلاً عن الاحتفالات أثناء طريق الحج وبعده، وما يُقامُ أيضاً في الحجاز ابتهاجاً بوصول القافلة والصرة والخيرات المصاحبة لها.
والجدير بالذكر أن قافلة الحج المصري كانت تضم إضافة إلى حجاج مصر حجاج شمال إفريقيا، والسودان، وحجاج غرب ووسط إفريقيا، وبعض جزر البحر المتوسط والبلقان.
ويتجمع حجاج قافلة الحج المصري بعد أن ينضم إليهم مرافقوهم من الحجاج المغاربة وغيرهم في بركة الحاج: وهي أول منازل الحج المصري، حيث كان الحجاج المغاربة ينزلون بركة الحاج، ويتسوقون بما يحتاجون ثم يرحلون بعد رحيل المحمل المصري بيوم واحد. وقد حرص المغاربة وغيرهم على مصاحبة المحمل المصري لما يتمتع به من حماية عسكريةٍ مُصَاحِبَةٍ له، وما أعد له في الطريق من قلاع وحصون لحمايته من هجمات العربان.. فقد كان من أهم التزامات أمراء الحج الحفاظ على أمن الحجاج أثناء سيرهم وحمايتهم، وحماية أموالهم من هجمات العربان، ونظرًا لتكرار تلك الهجمات فقد عملت الدولة العثمانية على تأمين قافلة الحج المصري من خلال تخصيص خمس مئة جندي تَقْدُمُهُمُ الفرق العسكرية السبع في مصر، ليس هذا فحسب بل إن الدولة العثمانية ألزمت بعضاً من حامية قلعة جدة بالسفر مع القافلة؛ تأكيداً على تأمينها، كذلك كان على كل أمير من الأمراء في مصر أن يُقدم عددًا من رجاله يتراوح بين الثلاثة إلى العشرة لكي ينضموا إلى الحماية المخصصة للقافلة، ويتحمل الأمراء نفقاتهم.
طرق الحج
-منازل الحج المصري
تمر قافلة الحج المصري بعدة منازل رئيسةً وأخرى غير رئيسة، وهي عبارة عن محطات صغيرة تم استحداثها بين محطتين رئيستين.
كما أن المحطات الصغيرة لم يكن لها تأثير يُذْكَرُ على سير القافلة، ويمكن للقافلة أن تتخطاها دون الوقوف بها لعدم وجود خدمات كافية بها. وقد درج المؤرخون على تقسيم المسافة بين مصر والحجاز إلى أربعة أرباع، يشمل كل ربع منها عدداً من المنازل، ويتولى العُرْبَانُ حفظ الأمن أثناء مرور قافلة الحج بالربع الخاضع لنفوذهم. الربع الأول: ويشتمل على عدة منازل أهمها: بركة الحج،، ويليها محطة عجرود، ثم بعد ذلك يتجه الحجاج صوب محطة نجل. الربع الثاني: ويمتد من (عقبة أيلة) إلى الأزلَم، وأول محطاته عقبة أيلة، وتليها محطة ظهر الحمار، ثم محطة الشرفة، ويلي محطة الشرفة محطة مغاير شعيب، ثم تليها محطة عيون القصب، ثم محطة المويلح وهي آخر محطات الربع الثاني. الربع الثالث: ويمتد من الأزلم إلى ينبع، ويلي محطة الأزلم، وقد سبق التعريف بها محطة اصطبل عنتر، ثم محطة الوجه تليها محطة الحوراء، ثم محطة نبط، ثم الخضيرة، ثم محطة ينبع والتي هي بداية الربع الأخير من طريق الحج المصري.
الربع الأخير ويمتد من ينبع حتى مكة المكرمة، ومن ينبع يتجه الحاج إلى رابغ بعد اجتيازه لعدة محطات صغيرة، وبعد عدة محطات صغيرة أيضاً يصل الركب إلى محطة خليص، ومن خليص يتجه إلى عسفان ومن عسفان يتجه الركب إلى وادي من أو وادي فاطمة وهو أحد أودية الحجاز في الشمال من مكة على طريق حجاج مصر والشام، ومن وادي فاطمة تتجه القافلة إلى مكة المشرفة، ومنها إلى عرفة مرورًا بمنى وغرة، ثم بعد ذلك يتجهون إلى بدر ثم الصفراء، ثم ذو الحليفة، ومنها إلى المدينة المنورة، وبعد انتهاء الزيارة تبدأ رحلة العودة.
قافلة الحج الشامي:
تعد قافلة الحج الشامي هي ثاني أهم قوافل الحجيج خلال العصر العثماني، وما سبقه من العصور، فقد دخلت الشام في نطاق الدولة الإسلامية منذ معركة «اليرموك» سنة 15ه / 636م. وبدأ أهلها يؤدون فريضة الحج، لكن الاهتمام الحقيقي بقافلة الحج الشامي بدأ منذ سنة 79ه / 698م، على عهد عبدالملك بن مروان، وذلك بسبب الأخطار التي كانت تلحق بالحجاج في الطريق، واستمر الخلفاء والأمراء يتعهدون قافلة الحج الشامي بالرعاية حتى العصر العثماني، واستمر الاهتمام بقافلة الحج الشامي خلال العصر العثماني، حيث انتظمت الطريق بين دمشق والبقاع المقدسة وظل المحمل يذهب إلى المشاعر المقدسة في معظم السنوات، ولم يتوقف إلا بعض السنوات التي شهدت عدم استقرار الأوضاع السياسية أو الأمنية.
ولم تكن قافلة الحج الشامي تضم الشاميين فحسب بل ضمت إليها كثيراً من داخل الدولة العثمانية وخارجها، ويصل الحجاج إلى دمشق مكان التجمع في صورة جماعات تُعْرَفُ باسم المنطقة التي أتت منها، وأبرز تلك الجماعات وأكبرهم عدداً الحج الرومي، والحج الحلبي والحج العجمي، يضاف إلهم أيضاً حجاج من أذربيجان والقوقاز، والقزم والبلقان، والهنود والأفغان والألبان، وحجاج جنوب شرق آسيا، ويرأس القافلة «أمير الحج» الذي يبدأ الاستعداد للرحلة المقدسة قبل الموسم بثلاثة أشهر، حيث يخرج في جولة تفتيشية سُمّيت (الدورة)، بهدف جمع الضرائب والأموال لإنفاقها على الجند المرافقين للقافلة، ولإظهار سطوة الدولة في المناطق التي سَتَمُرُّ منها، أو قريباً منها قافلة الحج، ثم يبدأ توافد الحجاج إلى (دمشق) خلال شهر رمضان، وفي منتصف شَوَّال تتأهب القافلة للانطلاق.
منازل الحج الشامي
بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة من تنظيم وقيادة وإعدادٍ عسكري، ومالي، وتمويني يتم تحت إشراف كامل من الدولة العثمانية ورجالها في دمشق. وبعد ترتيب هيئة خروج القافلة؛ طبقاً للنظام الذي يضعه أمير الحج. وبعد الاحتفالات التي تُقَامُ في دمشق ابتهاجاً بهذه المناسبة. بعد كل ذلك تبدأ القافلة في الانطلاق من مكان التجمع في جنوب دمشق لتبدأ الرحلة الطويلة مروراً بالعديد من المحطات التي من أهمها: مزيريب والتي يكون فيها التجمع الأكبر، حيث يَمْكُثُ الركبُ فيها ما يُقَارِبُ الأسبوع: لإتمام الاستعدادات النهائية ووصول من لم يصل من الحجاج يُذكر أن الدولة العثمانية كانت تعتمد على القبائل البدوية القاطنة على طريق الحج الشامي في توفير الجمال اللازمة لوالي دمشق لنقل الحجاج بالإضافة إلى قيامهم بنقل المؤن، وتأمين القافلة في مقابل بعض المخصصات المالية التي ترسلها الدولة مع أمير الحج من (الصرة السلطانية)، وإذا لم يَتَسَلَّم العُرْبَانُ هذه المبالغ، فإنهم يهاجمون القافلة وينهبون ما بها، وكانت كل قبيلة مسؤولة عن القافلة عند مرورها بأراضيها، ومن مزيريب يتجه الركب إلى المفرق، ومنها إلى الزرقاء، ثم إلى البلقاء، ثم إلى قطرانة، وبعد القطرانة يتجه الركب إلى الحسا، ثم إلى عنيزة، ومنها إلى مَعَان، ثم إلى المدورة ثم إلى ذات الحاج. ثم إلى تبوك، ومن تبوك يتجه الركب إلى الدار الحمراء، ثم إلى الحجر أو مدائن صالح، ثم إلى العلا، وبعد العلايتجة الركب إلى هدية. مارا بعدة أودية ومحطات صغيرة حتى الوصول إلى بئر ومنها إلى المدينة المنورة، لتنتهي بذلك رحلة قافلة الحج الشامي من دمشق إلى المدينة في مسافة تُقدر بنحو 1302 كيلومتراً تقطعها القوافل في مسيرة أربعين يومًا، لتمكث في المدينة بضعة أيام، ثم تتجه بعد ذلك إلى مكة المكرمة، لتشهد مناسك الحج.
قافلة الحج العراقي
(درب زبيدة) الكوفة، وقد ارتبط ازدهار طريق الحج العراقي بظهور الدولة العباسية، فقد كان لانتقال الحكم إلى بغداد أثره في الاهتمام بهذا الطريق؛ حيث حرص الخلفاء العباسيون على ربط بغداد بالأراضي المقدسة في الحجاز بعدة طرق ومسالك أمَّنُوا سبيلها، وأقاموا عليها العديد من وسائل الراحة والخدمة للحجيج، ويبدأ تجمع الحجاج في (الكوفة)، والتي ظهرت في سنة 17ه في فتوح بلاد فارس، وتقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات على بعد 16 كيلو مترًا شرقي النجف جنوب غربي بغداد ومن الكوفة يتجه الركب نحو المحطة الرئيسة التالية وهي النجف، والتي تُعَدُّ من أشهر المحطات على طريق الحج العراقي منذ بدأ تمهيد درب زبيدة في القرن الثاني الهجري، وحتى القرن الثالث عشر الهجري حيث خدمت خلال تلك المدة الحجاج من بلاد (فارس) و(خراسان) وبلاد ماوراء النهر، وشمال شرق الجزيرة العربية إلى جانب العراقيين، وكل من كان يسير مع قافلة الحج العراقي. ومن الكوفة يتجه الركب إلى (القادسية) وهى من المدن الشهيرة، حيث شهدت موقعة القادسية سنة 16ه. وبينها وبين النجف نحو 27 كيلو مترًا، ثم يستمر في سيره عبر الوهاد والأودية داخل الأراضي العراقية، حتى يدخل حدود الأراضي السعودية قاطعاً العديد من المراحل والمحطات.
حجاج نجد
كان حجاج نجد يخرجون في صحبة قافلة الحج العراقي التي كانت تمر بأراضيهم، والتي تضم حجاج العراق وإيران والأفغان والهند والقوقاز، والترك والكرد، وغيرهم، ومنذ قيام الدولة السعودية الأولى 1233ه / 1744 - 1818م كانت تقوم بحفظ الأمن على طريق الحج العراقي عند مروره بأراضيها حتى يخرج خارج نفوذها لتتولاه قوة أخرى من القوى المقيمة على دروب الحجيج، وكان ذلك ينعكس على الأوضاع الاقتصادية للمنطقة، حيث تروج التجارة على طريق الحج، هذا خلاف الضرائب التي تؤخذ نظير القيام بمهمة خفارة طريق الحج، ولما كان مرور هذه القوافل يعود بالنفع على أهل نجد، شأنهم في ذلك شأن كل منطقة تمر بها قوافل الحج، سواء المصري أم الشامي أم غيرهما، ولما كان أمر حفظ الحجاج من الأمور المهمة لأئمة الدولة السعودية الأولى، فإنهم كانوا يحملون على القبائل التي تعتدي على الحجاج، ويقومون بإجلائهم عن المواقع التي يَمُرُّ بها الحجاج. وقد كان أئمة الدولة يحكمون على الحجاج المارين بهم من العرب والعَجَمِ على أن يُضيّفُوهُمْ ثلاثة أيام بلياليها، ولا بد أن يتناولوا عندهم الغداء والعشاء، ويرون ذلك واجبًا، وكانوا يأمرون كل أمير من أمراء الحج ألا يسير بركبه من أي ناحية أتى إلا ويمرُّ بالدرعية ذهابًا وإيابًا؛ وذلك زمن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ولا شك أن استقرار الدولة السعودية الأولى أدى إلى تأمين الحجاج المارين بأراضيها، ومنع العُرْبَانِ من التَّعَرُّض لهم بأَذى، حيث منع أئمة الدولة جميع العُرْبان الذين تحت سيطرتهم من أخذ (الأخوة أو الخادة)؛ وهي ضريبة تفترض من العربان على كل حاج أبلغ ستة من الذهب وفي مقابل ذلك أجرو لهم من بيت المال عطايا بديلة لما يأخذونه من الحجاج لقد كانت عملية توحيد الجزيرة العربية تحت سلطة الدولة السعودية الأولى عاملاً مهماً في تحقيق الأمن لقوافل الحجيج فقد أصبحت كل قوافل الحجيج لا بد وأن تمر في الأراضي السعودية، وقد ألقى ذلك الأمر عبئًا ثقيلًا على الإمام سعود الذي عمل على تحقيق السيادة الفعلية له ولدولته؛ حيث أخذ البيعة من الأعيان والأهالي حين دخل مكَّةَ حَاجًا وَمُعْتَمِرًا في سنة 1220ه / 1805م. كما أخذ البيعة أيضًا من القبائل المحيطة بمكة، وعمل على التأكيد على القبائل الواقعة على الطرق البرية الموصلة إلى مكة بعدم التعرض للحجاج والمعتمرين بأي أذى، أو مطالبتهم بدفع مبالغ مالية مهما كان نوعها، بعد أن أصدر أمرًا بإلغاء المكوس والضرائب التي كانت تفرضها القبائل على مستخدمي تلك الطرق، ومَنْ يخالف ذلك يعرض نفسه لأقصى العقوبات التي فرضها الشرع الحنيف، كما أمَّنَ أيضًا طرق الحجاج القادمين عبر المواني البحرية.
وقام بتوفير السلع والمواد الغذائية مما أدى إلى رُخص الأسعار، وعم الخير ربوع البلاد، وفي أعقاب سقوط الدولة السعودية الأولى سادت حالة من الفوضى والاضطراب أثرت بالسلب على طرق الحج، ولكن سرعان ما عاد الأمنُ مَرَّةً أخرى بعد قيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وابنه الإمام فيصل بن تركي، وقد اعتبرت الدولة الثانية امتدادًا طبيعيًا للدولة الأولى، حيث أكمل الإمام تركي جهود آبائه في فرض الأمن، وضمان سلامة الحجاج.
قافلة الحج اليمني
على الرغم من أهمية قافلة الحج اليمني إلا أنها لم تستمر كثيرًا بعد خضوع اليمن للحكم العثماني، فقد بدأ المحمل اليمني تحت اسم محمّل صنعاء اليمن 963ه 1555م في ولاية مصطفى باشا الذي بدأ بتسيير موكب الحج كل عام، وقد توفي مصطفى باشا سنة 1045ه /1635م.
أعداد الحجاج
مما لا شك فيه أن أعداد الحجاج تتأثر إيجابًا وسلبًا، كثرة وقلة، بعدة عوامل، لا يمكن حصر أعداد الحجاج أو الحكم عليها دون أخذ تلك العوامل في الاعتبار، وأهم هذه العوامل:
عامل الأمن وأعداد الحجيج
فكثيراً ما كانت تتعرض قوافل الحجيج للاعتداءات أثناء مراحل سيرها مما يؤثر سلباً على أعداد الحجاج في العام الذي يليه، كما أن الخلاف على السلطة أو صراعاتهم مع بعض القبائل كان تؤدي إلى عدم قدرة الحجاج على أداء المناسك، بالإضافة إلى ما يتعرض له الحجاج من هجمات العُرْبَان على طول مراحل الطريق، كل تلك المصاعب كانت تُؤثر تأثيرًا مباشرًا على أعداد الحجاج، ولما استقر الأمر للدولة السعودية الأولى وتم ضم الحجاز أصبحت الحاميات السعودية تجوب كل مدن هذا الإقليم؛ فتحقق الأمن للحجيج، وصار كل من كان تحت حكمهم من البراري والقفار يسلكها الرجلُ وحده على حمار بلا خَفَرٍ؛ خصوصا بين الحرمين الشريفين، وعلى طول طرق الحجيج وذلك بسبب قسوتهم في تأديب القبائل والسارق والناهب
إلى أن عدم هذا الشر، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية؛ وذلك بفضل الجهود التي بذلتها الدولة السعودية الأولى.
ومن العوامل التي تُؤثَرُ في أعداد الحجاج الحالة الصحية، فإن انتشار الأمراض والأوبئة يُعد سببًا قويًا لانخفاض أعداد الحجاج، فعلى سبيل المثال في سنة 1315ه / 1897م انتشر في مكة مرض يُشبه الطاعون مما حدا بالسلطات المصرية أن تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم انتقال المرض إلى مصر، وكادت أن تمنع الحجاج في العام التالي من دخول الحجاز.
ففي عام 678ه/ 1279م، كان عدد حجاج مصر نحو أربعين ألفاً، ومن العراق وسورية عدد مماثل، ويُقَدِّرُ الرحالة التركي أوليا جلي أعداد الحجاج خلال منتصف القرن السابع عشر الميلادي/ الحادي عشر الهجري بنحو مائتي ألف وهي الرواية الأقرب للصواب، لكن بعض المؤرخين عبر عن أعداد الحجاج أحيانًا دون ذكر رقم مُعَدَّدٍ لهم؛ ولعل ذلك يرجع لصعوبة إعطاء إحصاء دقيق، فيُعْرِضُ المؤرّخ عن الخوض في أمر لا يملك دليلاً قاطعاً عليه، فنراه يقول: «وفي الليلة التاسعة منه يصعد مئاتُ الألوف منهم إلى جبل عرفات على ظهور الإبل ذات المحفّات أو الحمير، والبغال والإبل والهجين أو سيرًا على الأقدام وكأنهم موج البحر...».
ولعل في تقدير الأعداد بمئات الألوف شيئاً من المبالغة، فقافلة مصر والشام وهما الأكبر كانت أعدادها تتراوح بين الثلاثين والأربعين ألفاً في المتوسط طبقاً لمعظم الإحصائيات التي وردت على لسان الرحالة والمؤرخين، وإذا ما افترضنا أن باقي القوافل الأخرى غير الرئيسة تقدر بأربعين ألفاً أخرى، فإن التقدير المنطقي لكل القوافل يتراوح بين المائة والعشرين والمائة والخمسين إلى المائتين، وبهذا يكون تقدير أوليا جلي هو الأقرب للصواب.
وقد حظيت قافلتا الحج المصري والشامي باهتمام العديد من المؤرخين سواء المسلمين أم الرحالة الأجانب من حيث تقدير أعداد الحجاج خلال فتراتٍ مختلفة، فقد قَدَّرَ أحد الرحالة الأجانب أعداد الحجاج الذين جاؤوا ضمن قافلة الحج المصري في أواخر القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري، بنحو خمسين ألف حاج، وفي سنة 1196ه /1782م قدر عدد حجاج مصر ما بين ثلاثين ألفاً إلى أربعين ألف حاج.
وأما قافلة الحج الشامي فقد ذكر بعضهم أن أعداد الحجاج فيها يتراوح بين خمسة وعشرين إلى أربعين خاصة في أعقاب الأزمات والحروب، حيث يكون الحج فرصة لشكر المولى على فضله، وكذلك حين تزدهر التجارة، حيث يزداد منها أعداد التجار المرافقين لقافلة الحج. وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، بينما لوحظ تناقص عدد الحجاج بصورة لافتة إبان القرن التاسع عشر، ولم يختلف كثيراً ما رواه الرحالة الأجانب عن أعداد قافلة الحج الشامي، فقد قَدَّرَ بعضهم أعداد الحجاج في سنة 1194ه /1203م بنحو ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفًا، بينما ذكر آخر أن عددهم في القرن الثامن عشر تراوح بين عشرين ألفاً وستين ألفاً تقريبا. وبعيداً عن تلك الإحصاءات التي أشرنا من قبل إلى أنها كانت تقديرات تعوزها الدقة؛ نظرًا لعدم توافر الإمكانيات التي يُمْكِنُ أن تُساعد في إعطائنا إحصاء دقيقاً لأعداد الحجاج، بعيداً عن ذلك فإن العصور الحديثة تضاءلت معها جزافية التقديرات مع تقدم وسائل الإحصاء شيئًا فشيئًا ففي منتصف القرن الرابع عشر الهجري وعلى وجه التحديد في سنة 1350ه/ 1932 قدمت لنا جريدة «أم القرى» الرسمية إحصاء دقيقًا للحجاج القادمين عن طريق البحر؛ فذكرت أنهم (29065) حاجاً جاؤوا عبر ميناءي جدة وينبع. وفي عام 1351ه / 1932م حج بيت الله الحرام واحد وعشرون ألفاً، ونحو التسع منهم من الواردين عن طريق البحر، ونحو هذا العدد من باقي النواحي. وفي عام 1365ه / 1946م بلغ حجاج بيت الله الحرام مائتين وستةً وخمسين ألفاً ما عدا الأهالي.
المصدر: قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية أشارت إلى جد الأسرة السعودية وشيخ الدرعية سنة 1981 تأليف د. راشد بن محمد بن عساكر.
المصدر: قوافل الحج وطرقها وخدماتها خلال عصر الدولة السعودية الأولى، تأليف ياسر أحمد الخطيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.