عندما تضيف قيمة لعمل ما أو تبتكر فكرة جديدة كتأسيس شركة ناجحة أو عمل تجاري جديد أو تطوير أعمال سابقة من خلال أفكار ومخططات تتميز بالإبداع والابتكار فهذا هو المقصود بريادة الأعمال. وقد عرّف النمساوي جوزيف شومبيتر رائد الأعمال بأنه ذلك الشخص الذي لديه الإرادة والقدرة على تحويل فكرة جديدة أو اختراع جديد إلى ابتكار أو مشروع ناجح؛ فريادة الأعمال هي محاولة لإحداث نقلة، والعبور من نقطة إلى أخرى تتغير معها الحياة. يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: «إن المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة من أهم محركات النمو الاقتصادي؛ إذ تعمل على خلق الوظائف ودعم الابتكار وتعزيز الصادرات.. وسنسعى إلى دعم ريادة الأعمال والاستثمار في الصناعات الجديدة»؛ فالمملكة مدركة لأهمية ريادة الأعمال، ولا تألو جهداً في دعم هذا القطاع من خلال إنشاء العديد من المبادرات والمؤسسات التي تهتم بريادة الأعمال، أبرزها: بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ لزيادة التمويل وتعزيز مساهمات المؤسسات المالية في تقديم حلول تمويلية مبتكرة. وتأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء «SVC» -عام 2018م بمبلغ 221 مليون ريال- انطلاقاً من سعي المملكة نحو تحقيق رؤية 2030، وإيماناً بأهمية تعزيز ريادة الأعمال ودعم الاستثمار في الشركات الناشئة، وقد تضاعف إجمالي المبلغ المستثمر في الشركات الناشئة نحو 17 مرة ليصل إلى نحو 3.7 مليارات ريال في 2022م، وهذا يعد نقلة كبيرة خلال فترة وجيزة، وفي خطوة من شأنها تحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة أعلنت المملكة تأسيس صندوق الصناديق «جدا» برأس مال مبدئي 4 مليارات ريال، وهدفه تشجيع المبادرات الابتكارية وتعزيز دور القطاع الخاص. ولا ننسى دور بنك التنمية الاجتماعي في زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والناشئة والأسر المنتجة في نمو الناتج المحلي، عبر تقديم خدمات مالية وغير مالية وبرامج ادخارية هادفة وفعالة مدعومة بكوادر بشرية، لتعزيز ثقافة العمل الحر لدى جميع شرائح المجتمع. ومن أبرز التعديلات التي عرفها القانون في المجال التجاري بالمملكة إقرار نظام الإفلاس، والذي أحدث قفزة نوعية في المجال التجاري والاستثماري بشكل كبير جداً؛ حيث ساهم في حماية التجار والأشخاص سواء الطبيعيين أو الاعتباريين بشكل عام في مواجهتهم مع الدائنين، ومكّن أصحاب الشركات والمشروعات من حماية شركاتهم ومشروعاتهم من الإفلاس عبر تقسيط الديون ودفع الحقوق لأصحابها مع استمرار النشاط التجاري بشكل عادي. وغيرها الكثير من حاضنات ومسرعات الأعمال التي تهدف إلى تطوير أفكار جديدة لخلق مشروعات إبداعية والمساعدة في توسعة مشروعات قائمة. إن ريادة الأعمال تبدأ بفكرة، فرواد الأعمال الناجحون لم يكونوا راضين عن الأمور كما هي، إنهم يفكرون خارج الصندوق، ويبحثون على الدوام عن فرص جديدة للخروج بحلول إبداعية للمشكلات، ومن النماذج الناجحة لرياديي الأعمال الذين أسسوا شركات ناجحة في منطقتنا: شركة كريم التي أصبحت واحدة من أكبر الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط، وقد استحوذت عليها شركة أوبر مقابل 3.1 مليارات دولار في العام 2019م، في حين كانت قيمتها 500 ألف دولار عند تأسيسها عام 2012م. وتعد شركة جاهز وطرحها في السوق الموازية «نمو» العام 2022م أيضاً قصة نجاح لريادة الأعمال في المملكة؛ فقد بدأت الشركة العام 2016 بإمكانات محدودة ثم تنقلت بين محطات عدة وخاضت تجارب متنوعة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وكذلك أطلق رواد أعمال سعوديون العام 2020م شركة تمارا والتي تعد أول شركة تقنية مالية ناشئة في مجال «اشتر الآن وادفع لاحقاً» يتم قبولها في البيئة التجريبية ل»ساما»، وحصلت على دعم كبير من مجموعة من المستثمرين. لا شك أن المشروعات الناجحة لا تنشأ بمحض الصدفة، بل هي نتاج جهد مسلح بقدر من العلم والخبرة، وفي هذا بيان للحاجة الملحة إلى توفير بيئة تشجع وتدعم رواد الأعمال، فقد تصدرت اليابان قائمة أفضل الدول لرواد الأعمال في عام 2022م في تقرير أجرته العديد من الجهات بما في ذلك شركة الإعلام الأمريكية «US News & World Report»، و»بي إيه في جروب»، وشركة التسويق الأمريكية «VMLY&R»، وكلية «وارتون» بجامعة بنسلفانيا؛ لتوفيرها بيئة مثالية لريادة الأعمال، إذ يتعاون القطاعان العام والخاص معاً لدعم الشركات الجديدة، ومساعدتها على النمو، كما وضعت الحكومات المركزية والمحلية في اليابان استراتيجية إقليمية لتعزيز النظم البيئية للشركات الناشئة، وحازت اليابان على درجة 91.7 % في فئة الاتصال بباقي العالم، و98.8 % في فئة المستوى التعليمي للسكان، و85.0 % في فئة الريادة، و100 % في فئة الابتكار، ومثلها في فئات القوى العاملة الماهرة، والخبرة التكنولوجية، والبنية التحتية المطورة، وحازت على 100 % بشكل عام في التصنيف. لذا أتمنى فتح قنوات تواصل وتعاون بين وزارة التعليم والوزارات الأخرى، وفي مقدمتها وزارتا الاستثمار والاتصالات وتقنية المعلومات لتوعية طلاب المدارس بفكر ريادة الأعمال، والتركيز في المناهج الدراسية على دعم الفكر الإبداعي والتقنيات المهمة مثل البرمجة والتسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي وتعزيز الأمن الإلكتروني والتحليلات المعززة والذكاء الاصطناعي، وأن يكون من أولوياتها تمكين ودعم الابتكار والتقنيات الحديثة بتوفير بنية تحتية جيدة، وتنمية وتعزيز القدرات البشرية بإعداد اليد العاملة الماهرة، والعمل على إشراك مديري الشركات الناجحين، وممثلي البنوك والمؤسسات المالية، والإدارات المحلية بالقطاعين العام والخاص في وضع إستراتيجية لتعليم ريادة الأعمال. أخيراً، أتقدم بالشكر والتقدير للملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لحرصهما على دعم ريادة الأعمال وتطوير أدواتها وتسليح رواد الأعمال بالثقافة والمهارات وروح الإبداع، وأختم بقول للملك سلمان -حفظه الله-: «حرْصُنا على المضي قدماً في المشاريع التنموية وخلق مجالات اقتصادية جديدة دليلٌ على عزم الدولة الراسخ على تحقيق أهدافها بتنويع قاعدة الاقتصاد واستثمار المتغيرات الاقتصادية لبناء مكتسبات وطنية جديدة سيكون المواطن فيها الهدف والرافد».