ظلت هذه المنطقة عصية على الاستقرار والأمن، ولا يمكن حصر عوامل هذا الاضطراب في سبب بعينه، فثمة عوامل وأسباب متداخلة أدت إلى هذه الأزمات المتوالدة، والمزمنة في آن، غير أن سببين جوهريين يطغيان على غيرهما من الأسباب، ومن المدهش أن السببين يبدوان متناقضين في مفهومها، إلا أنهما متفقان في توليدهما للأزمات والنزاعات، وأولهما وجود مشروعات عابرة للدولة، ويمكن هنا تأمل تجارب التاريخ للأنظمة التي حملت مشروعات أكبر من دولها، وسعت لتصدير أيدولوجيتها، أو فكرتها الثورية لخارج الحدود، ما أدى لخلخلة نسيج المنطقة، وبث الفوضى والاضطراب في دولها، أم السبب الآخر والنقيض فهو انبثاق تشكيلات أو قوى تحت الدولة، أو خارجة عن سيطرتها بمعنى آخر، يتجسد ذلك في نشوء الميليشيات والقوى الطائفية أو الأيدولوجية، ويتمثل ذلك في الحال التي تشرحها أحوال بعض الدول في المنطقة. عبر هذه القراءة التاريخية الخاطفة، يتبين لنا الأهمية المتعاظمة للمشروع السعودي للنهوض بالمنطقة، وهو مشروع يكتسب قوته وواقعيته من خلوه من آفات المشروعات المتهافتة أعلاه، فهو لا يحمل أية أجندة توسعية، أو مساع لمد النفوذ، أو رغبة في تصدير أفكار أو أيدولوجيات، كما أنه يشدد على سيادة الدولة الوطنية، واحتكارها لقرارها السيادي، بمنأى عن الأجندات الإقليمية، أو الفئوية داخل الدولة ذاتها. المشروع السعودي لنهضة المنطقة، عبر عن ذاته بإطلاق مرحلة الحوار والتقارب في المنطقة، ورسم طريق جديد للاستقرار والازدهار، قوامه تعزيز المشتركات، وفي مقدمتها تمتين التعاون الاقتصادي، وتقوية الشراكات التنموية، كون الاقتصاد هو مدخل تحقيق مصالح دول المنطقة، وتعزيز استقرارها، ولا شك بأن الفوائد التي ستجنيها المنطقة من تحقيق النماء والاستقرار الاقتصادي ستكون الضمان القوي لاستتباب العلاقات الإقليمية وديمومتها، فالأكيد أن هذه المنطقة قد سئمت تتابع الأزمات والحروب ومشروعات الفوضى، وأنها باتت ترى في المشروع النهضوي السعودي بارقة أمل.