مع منتصف تسعينات القرن الماضي، بدأت أجهزة الحاسب الشخصية Personal Computer تنتشر بشكل سريع في الشركات والبيوت، وصار للحاسب منهج دراسي يتعلمه الطلاب في المدارس. في تلك الفترة وخلال دراستي بالمرحلة الثانوية، أسستِ المدرسة معملاً مزوّدا بأحدث الحاسبات وقتها، ولشغفي بهذه الأجهزة، صرت أمضي ساعات طوال في معمل المدرسة أجرب مختلف البرامج أثناء الفُسَح وبعد وقت الانصراف، وكما هو متوقع من مبتدئ يتعامل مع تقنية جديدة، فقد تعطل واحد من أجهزة الحاسب ولم يعد يعمل بشكل سليم. ولارتباكي في تلك اللحظة، انسحبت من المعمل بهدوء لا ألوي على شيء. وفي اليوم التالي، جاء إلى الصف أستاذ مادة الحاسب وهو يسأل الطلاب: "من عطّل جهاز الحاسب؟". وحين التفت بعض زملائي نحوي، رفعت يدي بإحراج معترفًا أنني المقصود، ومتوقعًا العقاب أو التوبيخ على أقل تقدير. لكن كانت المفاجأة أن ناولني الأستاذ مجموعة من أقراص الحاسب المرنة Floppy Disk مع ورقة بها بعض التعليمات، وقال لي: "اتبع هذه التعليمات واستخدم الأقراص المرنة لتصلح الجهاز المتعطل". وفعلا، وقبل نهاية اليوم الدراسي تمكنت من إصلاح الحاسب وعاد إلى العمل كالجديد. وعليه أبدى الأستاذ رضاه، ونصحني بالانتباه أكثر عند التعامل مع هذه الأجهزة مستقبلاً، وأوصاني كذلك بمساعدة من يحتاج من زملائي إلى إصلاح أجهزتهم. واليوم بعد كل تلك السنوات، أتأمّل هذه القصة وأستشفّ مالذي تعلّمته منها: أولا: وقوع الأخطاء وارد في حياة كل إنسان، لكن الهرب أو التنصل من تبعاتها ليس الحل! ولا أنضج من أن يتحمل كل فرد مسؤولية أخطائه رغم العواقب المترتبة على ذلك، بل ويعمل على إصلاح هذه الأخطاء ليتعلم كيف يتصرف في مواقف الحياة المختلفة. ثانيا: أسلوب العقاب قد يكون سلبيًا الغرض منه الزجر والتأنيب فقط، والأجمل أن يكون إيجابيًا يفيد الإنسان بشكل عملي، ويُكسبه خبرات تنفعه مستقبلا، وتجعله أحْرص على تفادى تكرار الأخطاء. ثالثا: للمعلم فضل كبير على طلابه، بداية من نقل العلم وشرح محتوى المنهج النظري، إلى تعليم المهارات العملية التي تساعدهم في شق الطريق إلى الحياة المهنية خارج المدرسة. ولا شك أن طريقة تعامل المعلّم بسعة صدر مع طلابه لها أثر في تحفيزهم أكثر في العملية التعليمية. وأود أن أختم المقالة بتقديم شكري لأستاذي صالح الشريف من مدارس دار الفكر بجدة، الذي كانت ردة فعله سببا للإقبال أكثر على الحاسب الآلي، ومن هناك كانت نقطة انطلاق أكملت منها دراساتي الجامعية والعليا في نفس التخصص، وأدت إلى عملي لاحقا في مجال تقنية المعلومات. فله ولكل أستاذ فاضل علّمنا وافر الحب وكل التقدير.