استيقظ صباحاً وتمتم، هذه الأيام سوف تمضي، ثم استدرك أنه لا يريدها أن تمضي بأي حال، عليها أن تمضي كما يريد، هو يعلم جيداً أنه لا يملك القرار ولا الخيار، لكنه يعيش قلق النهايات، لحظة تحديد المصير، يشعر كما يشعر من قضى حياته في طلب العلم وأمامه اليوم الاختبار النهائي الذي يحدد مصيره. شارد الذهن، صامت، شاحب الوجه، يتصنع الابتسامة والثقة، لكنه يخشى السقوط ومستعد لنفث الشتائم، متوتر قلق، مشتت التفكير، ليس متعاطياً لكنه مدمن ومتيم وعاشق أرهقه الانتظار. كل من حوله يشعرون بمزاجيته الغريبة، هذه اللحظات تحديداً ليست الوقت المناسب للحديث معه أو استفزاز عواطفه أو سؤاله عن غيابه لأنه غائب عن الجميع، حاضر مع خياله فقط، ومع من يشاركونه هذه المشاعر، يتخيل كل التفاصيل وأصعبها وينتظر أجملها. غير عقلاني، يشتم ثم يتمتم، يمدح ويتفاءل، يخرج بعيداً عن الناس، يتصفح جواله وينظر إلى صور الأفراح لا مكان للأتراح، يجول الشوارع ويتخطى الطرقات المختنقة بالسيارات، يصل إلى المحطة وينظر لذلك الصراف، يتذكره جيداً، كان معلماً أشبه بنافورة جدة حيث إنه علامة الوصول، ينعطف يميناً وينظر يساراً لمبنى الجريدة، وفي الجهة المقابلة يسطع نور الكشافات وبعض أصوات اللاعبين وخطوات الإداريين وصراخ المدربين في مختلف الفئات وسور النادي العريق، ينظر بشوق وللبوابة بلهفة. يكمل المسير حتى نهاية السور، ثم يتوقف أمام البوابة وحاجزها الحديدي وكرسي رجل الأمن والباب الصغير من خلفه الذي يفتح على المدرج، ذلك الباب الذي كان مفتوحاً دائماً له حين يدخل ليشاهد التمارين وعلى كتفه شال الاتحاد وسجادة المدرج والصلاة، يسير بهدوء نحو المدرج ويتذكر ذلك المصلى الصغير الذي كان يصلي فيه صلاة العشاء ليعود لمشاهدة باقي التمرين الذي ينتهي بتحية اللاعبين له ووعدهم بالبطولة وتحفيزهم له. الآن عرف لماذا تقتله الوحدة، ويطغى عليه القلق، لقد كان يطمئن من نظرات اللاعبين ووعودهم، اليوم لا يراهم وكل ما يملك هو تطبيق افتراضي يتصفحه ويرى فيه كل القلقين مثله. استيقظ من غفوته اللحظية عند ذلك السور، ووجد الباب مغلقاً، والنادي صامتاً، ولا أثر للضجيج، والأنوار حول الملعب خافتة، ولا توجد جماهير في المباني المجاورة تتابع التمارين من بلكونات الشقق، عاد لسيارته ليبحث عن صديقه في ذلك المقهى العتيق، توسد الكرسي وطلب كوباً من شاي أسود لم يتغير طعمه ولا لونه ولا مرارته، وقال لصديقه "سيفوز الاتحاد"، وهو يعي جيداً أن هذه الجملة عاطفية لا تخضع للتفاصيل الفنية، لكنه تمتم بها كتمتمة خائف في صحراء أرهقه الصمت والظلام فصرخ ليطمئن. نظر إليه صديقه بقلق وقال: لا أحب أن أفكر كثيراً، أريد أن أنام وأستيقظ وقد انتهى كل شيء، ساعات الانتظار ترهقني والتفاصيل تقتلني، لكنني أشعر بالفرح القريب، كنت أظن أن لحظات الفوز والحزن والفرح تنتهي ويأتي الأفضل لكنني اليوم أدركت أن الفرح تستمر لحظاته وتفاصيله في قلوبنا ونورّثها لأطفالنا لأنهم يستحقون ذلك، مازلت أتذكر كل لحظات الاتحاد السعيدة والتعيسة التي كان جمالها في السعادة التي تأتي بعدها وهذا ما نحتاجه اليوم. فتح عينيه لينظر إلى ذلك الكرسي الفارغ، لا أحد سوى براد وكوبين من الشاي اعتاد أن يشرب واحداً ويصب الآخر لصديقه الذي رحل ويتمتم شطراً من نصٍ يحفظه (وحدي ولا عندي أحد، أنا دخيلك أص، يا صاحبي ماني وحيد، أنا وحيد ونص). انتهى الحديث واستمر القلق ولكنه اختار التفاؤل بعد أن فقد صديقه ونظرات اللاعبين قبل مغادرة ممر التمرين، غادر المقهى محملاً بالأمل، منتظراً للفرح، مستعداً للعودة لذلك الشارع الصامت الذي اشتاق لليالي الصفراء. عادل الحمراني