على مدار سنوات طويلة، وبينما كانت مدرسة المخرج هيثم حقي "الشكل مضموني" تمتد وتتناسل عبر تلاميذه من المخرجين الشباب في صناعة الدراما السورية، كان هشام شربتجي من خلال مدرسته الإخراجية "مدرسة الممثل" يصنع حضوره المختلف، ويشكل نموذجاً درامياً يخصه وحده، ويجسد في معظمه تنويعات فنية لمعنى القليل هو الكثير. الكوميديا كانت مقام هشام الفني العالي، ومعه وأمام كاميرته كان المجد للممثل وحده، فهي ساحة لعب للممثلين أرادها هشام مساحة حرية لهم، ولسان حاله يخاطبهم: "ارفعوا عنكم ثقل النص، تحرروا من الشكل، لا تكلف أمام ما تحبونه وتعشقونه، واضحكوا لتطلع صوركم أجمل، هذه الساحة لكم، وأنتم ملوكها". كان هشام شربتجي في "مرايا" و"عيلة خمسة نجوم" وما تناسل عنه و"يوميات مدير عام" و"أحلام أبو الهنا" و"يوميات جميل وهناء" و"بنات أكريكوز" وسواها، وفي هذه الأعمال كان مختصر فلسفة هشام شربتجي الفنية، وهكذا كان نجوم التمثيل أمام كاميرته، بلا أي ثقل سوى البهجة، بهجة غالباً ما كان يختصر جمهور هشام شربتجي تأثيرها عليهم بالقول: "أي نوع من الفيتامين، ذلك الذي يعطيه هشام شربتجي للممثلين"، ذلك لأن جميع ممثليه كانوا يولدون من جديد أمام كاميرته، ويقدمون أداء بمنتهى العفوية، أداء بمقدار ما كان يبدو غير منضبط، بمقدار ما كان أداء قَصدياً ومدروساً، يفجر الضحك. هشام شربتجي الذي احترف صناعة البهجة، كان بوسعه أن يصنع المزيد من فنون الدراما، الكوميديا كانت مهنته، لكن سره سيبقى "باتعاً" في أنواع أخرى، ولعل من تابع "أسرار المدينة" و"أيامنا الحلوة" و"رياح الخماسين" و"رجال تحت الطربوش" و"مذكرات عشيقة سابقة". يُعرف كيف كان هشام يجترح المعنى من قلب الكلمة والحركة، ويحفر عميقاً في قضايا إنسانية، وبجرأة غير مسبوقة في الطرح أحياناً كما الحال في "رياح الخماسين". عربياً كانت المحطة الأبرز للمخرج شربتجي تصديه لإخراج الجزء السادس عشر من كوميديا " طاش ما طاش" ليكون ثالث مخرجي السلسلة الشهيرة بعد عامر الحمود وعبدالخالق الغانم، وقد جاءها من بوابة تصديه لإخراج لأعمال مشابهة في الكوميديا الاجتماعية الناقدة مثل "بقعة ضوء" و"مرايا". اليوم برحيل هشام شربتجي، نطوي الصفحة الأخيرة لواحدة من المحطات الفارقة للدراما السورية، لكن تأثير الرجل سيبقى ماثلاً في أجساد تلاميذه وأصواتهم. ماذا لو نصغي قليلاً ونتابع، سنسمع صوت هشام شربتجي ونتلمس روحه، في أداء باسم ياخور وأيمن رضا وشكران مرتجى وأندريه سكاف، وسنكتشف كم كان أيمن زيدان وسامية الجزائري وياسر العظمة وباسل خياط وأمل عرفة، معه وأمام كاميرته أجمل، وسنعرف كم دراما أحببناها، كان هشام شربتجي زرع بذرتها الأولى في "أسرار المدينة" و"أيامنا الحلوة" و"رجال تحت الطربوش". ووسط كل هذا وذاك، سيدرك الجميع، أن هشام شربتجي، كما التاريخ الذي يكتبه الأقوياء، تاريخ لا يموت.