قامت الدولة السعودية منذ التأسيس على مجموعة من القيم المجتمعية والفردية جعلت أساسها قائمًا على الثبوتية، والتغير وفق المنظومة الحياتية التي يسير فيها الفرد في الوسط المجتمعي؛ ولتخضع هذه القيم لعدة معايير ومنحنيات تابعة لتصوّر الإسلام للكون، والإله، والإنسان والحياة، تحت قواعد الإرادة الشرعية والكونية، ونظمت هذه المسيرة تحت عدة جوانب تدعم القيم والأخلاق وفق ممارسات نظامية قانونية، وشرعية إسلامية، وجعلت لهذه المنظومة ربانًا، وأتباعًا، ومتنحين عن هذه المنظومة ليخرجوا بالضد وتتمايز عنده الصورة الحقيقية المبهرة المنظمة لمسيرة الحياة الراقية لهذه والتي دعمت بالاختيار والإقناع والتأثير؛ لا بالقهر والشدة والعنف إلا في حال ترتب ضرر على الفرد والمجتمع فهنا يأتي قانون (لا ضرر ولا ضرار). وغالبًا لا تتكوّن هذه القيم إلا بعد نتيجة قامت على تفاعل الفرد والمجتمع مع الخبرات، والمواقف الحياتية والمهنية المختلفة؛ لتظهر أبرز هذه القيم القيّمة من: الشفافية، والتنافسية، والكفاءة، والوسطية، والتسامح، والتعايش، والتعاون، والاحترام، والحياء، والاعتزاز، والمساءلة، والمسؤولية، والإنتاجية، والحوكمة، والرقابة، والمبادرة، وأهمها الصدق؛ ومن خلال ذلك يتمكّن الفرد من تحديد رؤيته وتوجهاته التي تظهر على واقعه الحياتي في داخل الأسرة وخارجها، ومن هنا جاء دور المملكة العربية السعودية في ظل الرؤية السديدة لمتابعة هذه النتائج وتقييمها، وتقويمها، ودعمها، وتعزيزها إما بالإشادة، وإما بالعلاج. ولا يخفى على كل ذي لب أثر انتشار النسق القيمي بين أفراد المجتمع وما له من دور في تحقيق التنمية المستدامة على جميع المستويات: الثقافي، والعلمي، والتربوي، والصحي، والتقني والصناعي، والتي تسعى إليه دولتنا الرشيدة؛ لأن القيم تضبط الفرد في دائرة حياته تاركة له مساحة الاختيار في كل شؤون حياته، وتضبط اختياراته مع المنظومة الخارجية، وعلاقته بكل فرد في المجتمع لتقوده إلى الطريق القويم في تحديد رؤيته، وغاياته الدنيوية والأخروية، وتساعده في حل مشكلاته واتخاذ قراراته؛ لأن منظومة القيم التي تُشيّد بنا وبمجتمعنا هي القيم المستمدة من الإسلام؛ لتكاملها وشمولها ووسطيتها ومرونتها؛ حيث تقبل التغيير والتعديل وفق تغيرات المجتمع وتبدّل أحواله؛ فتقبل الاجتهاد وفق الزمان والمكان والأحوال الحادثة والمستجدة إذا لم تكن توقيفية، كما أنّها حقّقت التوازن في حياة الفرد والمجتمع كافةً؛ لأنها تنظر إلى جانب الجسد والرّوح دون إفراط أو تفريط؛ لكونها تراعي فطرة الفرد كما بين سبحانه في قوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). ولقد أطلقت الدولة عدة مبادرات قيمية مجتمعية تعزز فيها أفراد المجتمع وتبرز دور الشراكات لتفعيل هذه المبادرات، ولتحقيق قيمة التمسك بهذه المنظومة القيمية تحت عدة جهات مؤسسية في أنحاء المملكة منها: حملة (مكارم الأخلاق) التي تهدف إلى تعزيز الأخلاق الحسنة وبيان مكانتها في الشريعة الإسلامية؛ عبر تنفيذ العديد من البرامج التوعوية والتوجيهية، والدعوة إلى القيم، وإبراز جهود المملكة العربية السعودية في تعزيز ودعم المنظومة القيمية السلوكية من خلال رسائل مؤثرة تُبث عبر وسائل الإعلام الإلكتروني، واللوحات الإرشادية، والشاشات الإلكترونية في المرافق العامة والمؤسسات الحكومية. وفي الختام: كلنا نعلم أهمية انتشار هذه القيم في المجتمع لما يترتب على ذلك من اندثار عامل الفساد النسبي في المجتمع ولله الحمد؛ هذا الفساد الذي تسعى الدولة بشكل حثيث للقضاء عليه بشكل جذري وإن كان وجوده يدل على انحسار القيم الأخلاقية عند بعض أفراد المجتمع؛ لذا فإن الدولة أدركت تمام الإدراك أهمية نشر وغرس هذه القيم التي تحتاج إلى زيادة الوعي في الإعلام، وفي الأسرة، والمدرسة، وعبر برامج التواصل الاجتماعي؛ لأن عدم معرفة الآثار المترتبة على عدم التحلي بهذه القيم وعدم العض عليها بالنواجذ سيُكسب الأجيال القادمة اختيار الرغبات وفق العواطف تحت معيار الأخذ بالسهل الضار وترك الصعب النافع! بعيدًا عن منظومة القيم، وبعيدًا عن الاجتهاد والمعرفة وبذل الجهد في الوصول للمبتغى الصحيح؛ فإدراكنا الكامل للتغريب الفكري الذي يعيشه المجتمع عبر قنوات التواصل الاجتماعي من غياب القدوة، والقادة، والناجحين في كل الميادين وفق منظومة القيم لا الناجحين وفق منظومة الأسهل والأسرع في بذل طريق الوصول لمكانة هشة لا قيمة لها في المجتمعات الرائدة بسبب البنية التحتية المتهالكة التي لا تقوم لها قائمة، فبقاؤنا مرتبط بقيمنا. نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود-حفظه الله وأمد في عمره- وسمو ولي عهده الأمين عرّاب الرؤية المباركة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله وأمد في عمره- وأن يعلي بهم كلمته ويعز دينه، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.