الفنان التشكيلي ابن بيئته ومجتمعه لذا فهو يجسد أفراح هذا المجتمع، ومناسباته، وتاريخه في إنتاجه الجمالي والإبداعي، استوقفني عمل الدكتور علي مرزوق الذي أنتج خصيصاً بمناسبة ذكرى يوم التأسيس، حيث استلهم كثير من الفنانين هذا اليوم في أعمالهم الفنية وفق اتجاهات وتقنيات ورؤى متعددة، إلا أن العمل الفني لأستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة الملك خالد الدكتور علي مرزوق المهتم بالتراث الإسلامي، والهوية العربية، وتاريخ الفنون المحلية أبهر المتلقي، إذ أبدع عملاً تركيبياً (Installation Ar) مستخدماً بكرة كيابل كهربائية خشبية قطرها نحو 70 سم، وشريطاً من الحديد يمتد إلى نحو متر ونصف المتر. العمل الفني يستلهم ثلاثة قرون لتأسيس المملكة العربية السعودية، منذ تأسيس الدرعية عام 1446م، مروراً بتأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727م، والثانية عام 1824م، وتأسيس المملكة العربية السعودية عام 1902م، وانتهاءً بتوحيدها عام 1932م على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، والمتأمل لمجسم التأسيس يلحظ أنه بُني على ثلاثة محاور، المحوران الأول والثاني يمثلان طرفي البكرة الخشبية المكسوة بشعار يوم التأسيس بألوان تمثل لون الأرض، ورموز استحضرها المرزوق من التراث البصري لهوية التأسيس، بينما يمثل المحور الثالث شريطاً من الحديد المفرّغ، ملوناً بلون الأصالة وفقاً لهوية التأسيس البصرية، ويخرج من البكرة الخشبية على هيئة شريط لفيلم يروي مسيرة ثلاثة قرون، وخمس مراحل مهمة في تأسيس هذا الكيان العظيم. أما الرموز والدلالات فقد حرص الفنان على تضمينها في عمله خطاً، وشكلاً، ولوناً، ورمزاً، وكتلةً لتعكس المعاني، وتترجم الأفكار، وتصوّر المفاهيم، وتوضح الرؤى، فالشكل الدائري والحجم الأسطواني لبكرة الكيابل الخشبية ترمز لطبيعة ديناميكية مستمرة، ودوره توصيل خدمة الكهرباء ليعكس استمرار معاني الخير والعطاء وديمومتها، وبذلك ينجح المرزوق في التعبير عن مشاعره الوطنية مستخدماً تقنية الفنون التركيبية ليجمع فيها خامات طبيعية، وصناعية تستعمل في مجالات البناء والعمران والتنمية في توليفة إبداعية جمالية مصممة لتبهر المتلقي، وتلفت نظره لقراءة نص بصري يحمل معاني النشأة والتطور لكيان دولة فتية قوية، تدور فيها عجلة التنمية الشاملة لمشروعات في شتى المجالات بفضل الله، ثم بفضل قيادة حكيمة تسير برؤى مستقبلية لصالح الوطن والمواطن. *أستاذ التصميم والفنون المساعد بجامعة جدة