الإبداع كلمة يسهل نطقها والتغني بها، ولكن يصعب تقديم مهاراتها على أرض الواقع وفي الميادين العلمية خصوصا في عالم الحراك العلمي المتقدم، والذكاء الاصطناعي الذي بات هاجسا في عالم الإبداع والابتكار، فالتجديد والتغيير بين لحظة وأخرى أصبح تحدياً بين البشرية للبقاء، أو عدم الحضور الحضاري في المشهد العالمي العلمي والصناعي. الإبداع كلمة متعددة المعاني والدلالات، فمن يرى أنه إعمال للخيال في وضع بصمة لم يسبق لها أحد، أو رؤية ما لا يمكن إدراكه بالبصر أو السمع أو اللمس من خلال الغوص في عمق الأشياء لإيجاد ما ينفع البشرية في الحياة العلمية أو العملية على جميع الصعد، ومن يرى أنه صنع شيء من لا شيء (بديع السماوات والأرض)، وأقول أنا: الإبداع في وقتنا الحالي وجودك في هذه الحياة وأنت تصنع لك أثراً متجدداً في بيتك وعملك ومجتمعك بأدائك المتجدد وقولك المحفز وتغييرك المطور لذاتك ولبيئتك وعالمك. ولكن ماذا يشترط لفكر الإبداع ليطبق ويخرج من صندوق الفكر إلى واقع التنفيذ؟ لا يمكن للإبداع أن ينفذ بين عقول تحاربه وتكبته وما ذاك إلا لأنها ألفت الجمود والتبعية والتفكير بنمطية القدامة التي لم تتعايش مع فقه الواقع المعاصر، ولم تقبل التفكير بحرية المعقول التابعة للنقل والأطر الإسلامية، فديننا يدعو إلى الإبداع والتطوير والتعايش مع المستجدات، والتحرر من التقليد والجمود، لنسمو بالأمة ولكي لا نكون نسخاً متكررة في هذا العالم، ولا في الطابور الأخير في المجالات العلمية. قال الروائي والرسام الأميركي هنري ميلر: (كلما رأيتم رجلاً ذا ميول كلاسيكية، رجلاً لا يصاب بالجنون ولا يمارس الانتهاك، اقبضوا عليه وزجوه في السجن: إنه يشكل خطراً على الإنسانية). وأقول بدوري: كلما كان التفكير نمطياً تقليدياً ويفتقد بكارة الأفكار، فلا أصالة فيه ولا تجديد، أقصوه فإنه مدمر الإبداع ومجهم المعرفة، في حال عدم فهم لحيثيات التجديد، والتغيير في وقتنا المعاصر من غير تخطٍ لقضية الثوابت الدينية والوقوف عند أدوات الإبداع والتغيير المشروعة في دائرة المتغيرات الدينية. ويمكننا الإجابة عن بعض التساؤلات المطروحة من كثير من الأفراد في المجتمع: كيف نبدع بين أناس لا تعي حقيقة هذه الكلمة؟ كيف نبدع بين أشخاص مقلدين فهم لا يعون شيئاً من كل شيء؟ كيف نبدع في بيئة تحارب الحوار، والسؤال فكيف ستنشأ علاقة ود مع التغيير والإبداع؟ كيف نبدع وليس هناك من يفرق بين الإبداع والجمود؟ كل ما تقدم يشكل منطلقاً لرؤية تربوية تحتم على من يؤمن بها السعي الدؤوب وراء كل ما هو أصيل، وجديد، ومرن في مجال التفكير الإبداعي وميادينه، الذي يتغذى على حرية الفكر أولاً وأخيراً، وبالتالي الوصول إلى أداء إبداعي في الإخراج العلمي من خلال بيئة تعليمية وتربوية داعمة واستراتيجيات تدريس من شأنها محاكاة وتطوير التفكير المبدع أولاً والإخراج الإبداعي ثانياً، ولن يتحقق إلا بالتخلص من العقول الجامدة التي تشيك طريق الطلب، والوصول للقمة بطريقة مختلفة عن الناجحين، فالنجاح يتعدد، ومن صار على منطلقاته حققها، ولكن التميز والجودة فيه يندر. فكل مبدع محارب في بيئته، فإما أن يكون بعزيمته وإصراره وأما ألا يكون بانهزاميته واستسلامه، وهنا يأتي دوره بفرض فكره في البيئة التي تناسبه، وهذه سنة الله الكونية في إيجاد صراع دائم بين الحق والباطل وهي من النواميس التي جبلت عليها البشرية (ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً)، فكيف نحفز الفرد لنكون كوكبة إبداعية فريدة العقد في عالم المعرفة العربية؟ 1 - إقصاء التقويم وتحييده عن النقاش وطرح الأفكار المتعددة. 2 - نقد فكرة تبني الأفكار المسبقة والنظرات أحادية الجانب. 3 - ابتعاد القائد عن فرض أفكاره وآرائه على أفراده بحكم خبرته الأوسع. 4 - توفير المناخ التربوي والمعرفي الذي من شأنه استثارة خيال الأفراد. 5 - مناقشة الأفكار لا مناقشة الأشخاص. 6 - وضع مقررات دراسية تقدم مهارات التفكير الناقد الإبداعي كما هو مطبق في بعض المقررات. 7 - استثمار الأفكار الجيدة وتشجيعها ودعمها لتطبق على أرض الواقع. 8 - وضع خطط معرفية تصنف الأفكار الإبداعية والأفكار التقليدية والأفكار الضرورية. 9 - وضع إستراتيجية تنفيذية لتطبيق الأفكار الإبداعية وفق المجالات المتاحة. 10 - تخصيص دوائر خاصة وعامة تحفز على الإبداع والمنافسة في كل دائرة تعليمية. وفي الختام: أقول (من لم يتجدد يتبدد) وهذه سنة الحياة السير، والنظر، والتأمل في سنن الله الكونية والشرعية، وجعل الحياة منقادة بالاختيار، والإرادة وفق ضوابط اختيارية وغير اختيارية، وجعل الحياة تسير وفق آلية مخطط لها، ولكن بأيدينا نصنع التغيير، والحداثة، والانتقال من الممكن إلى غير الممكن المعقول، ولا يكون إلا بالصبر، والاجتهاد، والفقه، والعلم، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وخاصة أن قضية التطور والإبداع في عالمنا المعاصر هي الحرب الفكرية المستخدمة الآن في العالم وبه يكون الحضور والعزة.