لو فككنا برامج الدردشة لفهم أجزائها الداخلية، سنتصور اتجاه التقنية مستقبلاً. هل سبق برامج الدردشة تقنيات تمهد لها أم جاءت من لا شيء؟ لغوغل، مثلاً، دور مهم في تطوير الذكاء الاصطناعي عموماً، كما هو معلوم، إلا أنها لم تطلق برنامج المحادثة الخاصة بها إلا متأخراً لأسباب غير معروفة. ربما يكون تقاعسها عن إطلاق برنامجها هو الخطأ الكبير الذي ترتكبه في حق نفسها، وستدفع ثمنه طويلاً، من يدري؟ لنا أن نقسم برامج الدردشة كما نعرفها اليوم إلى ثلاثة أجزاء: المحادثة، وجلب المعلومة، ثم الإجابة. في كل جزء عمليات للذكاء الاصطناعي مختلفة عن الأخرى، إنما لكل منها تاريخها أيضاً. ففي المحادثة، تطورت تقنيات المحادثة الصوتية كما في برنامج (سيري) على أجهزة الآبل و(آليكسا) على أمازون، وكانت سباقة فيها. ما طبقته برامج المحادثة هو استثمار للقدرات التقنية التي شاعت أكثر فأكثر، ولعل (بارد) الذي أطلقته غوغل هو برنامجها الذي أعدته لمنافسة تطبيقات آبل وأمازون. بعد المحادثة يتحول التطبيق إلى جلب المعلومة. لا أحد ينافس غوغل في عمليات البحث عن المعلومة، فليس غريباً أن تعيد غوغل استخدام قدراتها البحثية لدعم برنامج المحادثة، كما ليس غريباً أن يلتفت غيرها إلى استخدام برامج البحث الموجودة على الإنترنت كما فعلت (أوبن أي آي). القدرة الضخمة على جلب المعلومات هو الفارق الذي يفصل بين تطبيق محادثة تصنعه على جهازك الشخصي وبرنامج محادثة تغذيه محركات غوغل البحثية. تطبيقات المحادثة تستخدم نموذج جلب المعلومة مستعينة بأساليب البحث المتوفرة لديها، وعند جمع المعلومات تعيد تشكيلها لعرضها للمستخدم مروراً بخوارزميات فرز وانتقاء وإعادة صياغة. الإجابة هي المحصلة النهائية للمحادثة وبها يحكم على نجاح التطبيق في فهم السؤال المطروح، وهو محل الإشكال اليوم. إذا سئل التطبيق، أشكلت علينا العناصر التي تحدد إجابته مروراً بالأجزاء الثلاثة، وأشكل علينا موقع المسؤولية الأخلاقية إذا عرفنا أن البرنامج لا يولد الإجابة بالضرورة من نفسه إنما ينتخبها من مصادر خارجية. ما أبهر المستخدمين سهولة المحادثة وسرعة الإجابة على تنوع الأسئلة وتعقيدها. من أجل ذلك، تبدو الخطوة التالية التي على المتنافسين اتخاذها أن يتحول برنامج المحادثة إلى معالجة الصوت والصورة، بحيث يتجاوب مع المحادثة الصوتية إضافة إلى قراءة حركات اليد أو قراءة تعبير الوجه. إذا نظرنا إلى ما ينقص برامج المحادثة اليوم، سنجد أن ما يضاف إليها مستقبلاً أكثر إدهاشاً، بل إن ما نراه اليوم ما هو إلا نتيجة تسابق محموم في طرح منتجات غير مكتملة لتحقيق تقدم نوعي بسيط في سباق التقنية. فقد تريثت غوغل أكثر من اللازم فكانت النتيجة ظهور تشات جي بي تي. إذا كانت غوغل قد أظهرت برنامجها (بارد) رداً على تشات جي بي تي، فمن أين سيأتي الرد القادم، من آبل أم أمازون؟