«الأسلوب هو الرجل» عبارة تنسب إلى بوفون تتداولها بعض كتب الأسلوبيّة، وبعض كتب علم الأسلوب، وبعض كتب مناهج النقد الأدبيّ، ويقصد بها الأديب الفرنسيّ بوفون Buffon: (1707-1788م)، الأسلوب هو الرجل محاولًا التفريق بين المعنى أو المضمون الذي هو حسب رأيه ملكًا (1) للجميع، وبين الأسلوب الذي يعتبره محصَّلًا لشخصيّة الكاتب»(2)، وقد نقل أحمد درويش مقال بوفون في الأسلوب إلى العربيّة الذي وردت فيه هذه العبارة «أمّا الأسلوب فهو الرجل ذاته. الأسلوب إذن لا يمكن أن يطير، ولا أن ينتقل، ولا أن تتعاقبه الأيدي. فإذا كان الأسلوب راقيًا ونبيلًا وساميًا فإنّ الكاتب سوف يعدّ كذلك في كلّ العصور؛ لأنّه لا يدوم، بل لا يخلد إلّا الحقيقة، ولأنّ جمال الأسلوب يكمن في واقع الأمر في العدد اللامتناهي من الحقائق الذي يقدّمه»(3). هذه هي صيغة العبارة الذائعة بين نقدة الأدب، وعامّة المثقّفين، وقد فهموها على الوجه الذي أوردناه سابقًا، ولكنّي وجدتُ أحمد حسن الزيّات يورد هذه العبارة بصيغة، وفهم آخرين، أمّا الصيغة فهي: (الأسلوب من الرجل نفسه)، وأمّا الفهم لهذه العبارة فهو: «ومن أخذه [أي: المعنى] فكساه لفظًا أجودَ من لفظه كان هو أولى به ممّن تقدّمه، على أنّ هذا الرأي الجريء لم يكن رأي العرب وحدهم، وإنّما يراه معهم بوفون وأشياعه من كتّاب الفرنج، فقد قرّر في خطبته عن الأسلوب التي ألقاها يوم دخل الأكاديميّة الفرنسيّة أنّ الأفكار والحوادث والمكتشفات شركة بين الناس، ولكنّ الأسلوب من الرجل نفسه، نعم قال بوفون: إنّ الأسلوب من الرجل نفسه (Le style da I, da I, homme meme)، ولم يقل: إنّ الأسلوب هو الرجل (Ie style c, cst) كما شاع ذلك على الألسنة. ولم يُرِد بما قال إنّ الأسلوب ينمّ عن خلق الكاتب، ويكشف عن طبعه كما فهم أكثر الناس، وإنّما أراد أنّ الأسلوب، ويعني بهما النظام، والحركة المودعين في الأفكار، هو طابع الكاتب وإمضاؤه على الفكرة. ومعنى ذلك أنّ الأفكار تكون قبل أن يفرغها الفنّان في قالبه الخاصّ من الأملاك العامّة، فإذا عرف كيف يصوغها على الصورة اللازمة الملائمة تصبح ملكًا خاصًا له تسير في الناس موسومة بوسمه، وتعيش في الحياة مقرونة باسمه. فالأسلوب وحده هو الذي يملكك الأفكار، وإن كانت لغيرك»(4). وكما رأينا في هذا النصّ فإنّ الزيّات قد صوّب صيغة العبارة الشهيرة المنسوبة إلى بوفون، وجلّى مفهومها خير تجلية، وفي هذا تصحيح لخطأ ذائع على ألسنة الناس زمنًا غيرَ يسير كان سببه عدم دقّة الترجمة، ونتج عن هذه الترجمة أيضًا خللٌ في صيغة العبارة الذي ولّد خللًا في مدلولها. الحواشي: (1) لعلّ الصواب هنا (الذي هو بحسب رأيه ملكٌ) وليس (الذي هو حسب رأيه ملكًا)؛ لأنّ (مُلْكٌ) خبر مرفوع عن الضمير المنفصل (هو). (2) يعقوب، إميل؛ بركة، بسّام؛ شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغويّة والأدبيّة عربيّ- إنكليزيّ- فرنسيّ، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1987م، ص41. (3) بوفون، جورج: مقال في الأسلوب، ترجمة: أحمد درويش، ص188، منشور ضمن درويش، أحمد: النصّ البلاغيّ في التراث العربيّ والأوربيّ، دار غريب، القاهرة، مصر، د.ط، 1998م، ص183-ص188. (4) الزيّات، أحمد حسن: دفاع عن البلاغة، تحقيق: مصطفى أبو المعاطي، دار الغد الجديد، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1441ه/ 2020م، ص61.