سمعت إحداهن تقول: إن حبل الكذب لم يعد قصيراً فهو اليوم طويل جداً، وهذه للأسف حقيقة، فقديماً كان الكاذب يشتهر بين الناس بهذه الصفة بسبب ندرة الكاذبين من حوله ولأنه يأتي بالأكاذيب بمقاسات مختلفة يوزعها بلا مبالاة إن كانت تناسب من يتحدث إليهم أو لا! تذكرت أبو شلاخ البرمائي تلك الشخصية الكذابة التي كتبها غازي القصيبي، وكان أبو شلاخ يملأ مسامع الناس بكذب لا يقبله العقل ولا المنطق دون أدنى إحساس بالذنب أو الخجل، وأشباه تلك الشخصية اليوم يملؤون الدنيا بأكاذيبهم في كل المجالات لدرجة سيئة جداً ومزعجة جداً ويترتب عليها كثير من الأخطاء والإساءات العامة والخاصة، والمصيبة اعتقادهم بأنهم أذكياء جداً فلا يفطن لأكاذيبهم أحد! ولا أدري هل هذا من باب أنهم يكذبون الكذبة ويصدقونها أو من باب أن شعور النقص المتضخم في داخلهم يدفعهم لتوهم أن درع الكذب الذي يحملونه يحميهم من انكشاف أمرهم، والمضحك أن بعضهم ينسون كذبة الأمس ويأتون بما يخالفها تماماً فلا يصدق عليهم المثل القائل: إن كنت كذوباً فكن ذكوراً. والسؤال: كيف ولماذا توارت قيمة الصدق العظيمة والجميلة خلف جبال الأكاذيب اليومية التي تتطاول كل يوم بفعل من يكذبون وماذا حدث لها؟ هل صار الناس يخافون من الصدق بعد أن اعتادوا على الكذب؟ وهل مات القلق الذي يولد في النفس عندما يكذب صاحبها؟ أم أنه موجود ولكنهم يسترونه بمزيد من مسببه؟! أهل الفن بكل أنواعه يكذبون ومثلهم أهل الأدب والنقد ووسائل الإعلام تضج بالأكاذيب والمصيبة أن من يدعون أنهم يعملون على تطوير الناس والارتقاء بوعيهم وقدراتهم يكذبون أيضاً! وقد استفاد من أكاذيبهم من استخدموها لتحقيق مبتغاهم حتى وصل بعضهم إلى مواقع لا يستحقونها يعملون فيها بألسنتهم قبل قدراتهم العقلية والعملية ووجدوا من يصدقهم أيضاً وربما حتى من يصدقونهم يكذبون فهم يجاملون ويسمون كذبهم مجاملة! والمصيبة الأعظم يرتكبها أولئك الذين يكذبون باسم الدين في كل المجالات بلا خوف من الله أو خجل منه ومن خلقه! وإذا كان بعض الناس لا يهتمون بكل ذلك بسبب انشغالهم بالملهيات والتفاهات والاستهلاك النفسي والمادي فقد وجدوا بغيتهم في حسابات مشاهير وسائل التواصل الذين حازوا على الميدالية الذهبية في الكذب فهم الذين يمررون أكاذيبهم بكل ما فيها من أعاجيب على العامة صغارهم وكبارهم الذين صاروا يصفقون للكذابين بطريقة مخجلة ومقززة. ورغم أن الحقائق تنكشف بعد حين والأقنعة تسقط ولكن هذا الحين صار يمتد ويطول بطول حبل الكذب الذي صار طويلاً جداً لدرجة تجعلنا لا نرى نهايته ولا حتى عندما نفتح كتابنا المقدس ونقرأ ما فيه عن الصدق والأخلاق العليا وكأن الأمر لا يعنينا طالما أننا نركع ونسجد ونصوم ونصلي وكأن القرآن لم يأتِ إلا بها! وكأنه جل جلاله لم يوجهنا لنتحرى الصدق في كل وقت ونقول بصيغة الدعاء والحاجة (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً ونصيراً)، وكأن نبينا الذي أمرنا باتباعه لم يوصف بالصادق الأمين! فما بالنا نسير بالاتجاه الخاطئ حتى كدنا أن نحول الكذب إلى صدق!