أعيادنا شعيرة من شعائر الإسلام، لها خصائصها الدينية التي يحرص كثير من الناس على العمل بها، وينشغل عنها مثلهم بتفاصيل أخرى، وهناك للأسف من ينكرها ويستنكر على غيرهم الاهتمام بها؛ بسبب قناعات يرضخون لها وكأنهم يبخلون على أنفسهم وعلى غيرهم لحظات من الفرح! عندما استعرضت في جهازي الذي يحمل لي العالم كله ويقدمه لي على شاشته، رأيت معالم الفرح في كل مكان بدءا من صلاة العيد والإقبال عليها في الجوامع والشوارع والقصور الرئاسية في الدول الإسلامية، وانتهاء بالألوان الزاهية في الملابس والبالونات وموائد الطعام في كل مكان، وما بينهما من ضحكات وأهازيج ورقصات وفرحة الأطفال ولحظات الانتظار المشوقة لهم والمزينة بالحلوى والنقود، والتي ليست بالضرورة أن يكونوا بحاجة لها، أو أنهم يفتقدونها ولكنها حلويات العيد ونقود العيد والأمر مختلف لأنه العيد الذي يدركون فيه أنه احتفال للقلوب بطرق شتى، وكل هذا يجعلنا ندرك أن الفرح صناعة يفتقدها بعضهم ممن يرددون (عيد بأي حال عدت يا عيد)، ويستفزون مشاعر وانفعالات لا صلة لها بالفرح كآبة وحزن ونكد، ولديهم الأسباب التي يتوقعون أنها تخصهم وحدهم وعليه فهم يرون بأن فرحة العيد كذبة لا يرغبون بالاشتراك بها! في حين أن كثيراً من صناع الفرح لديهم ما لديهم من هموم. ومع ذلك يستجيبون للحظات تزرع فيها الابتسامة، وتصنع فيها الفرحة بحب وصدق يتناسبان مع كون العيد مناسبة دينية اجتماعية مهمة تشبه اللحظة ما بين الشهيق والزفير التي تكتمل بها عملية التنفس واستعادة الحياة. العيد ليس فرحة فقط، بل هو نقطة قوة يسترد بها الناس عافيتهم الاجتماعية حين يتبادلون الدعوات الجميلة، فيقولون عساكم من عواده، أو من العايدين الفائزين، أو غيرها من الدعوات التي لا أتوقع أن يقولها أحدنا للآخر إلا بكل صدق حتى وإن كانت ضمن رسائل هاتفية، فالتهنئة بالعيد بالدعاء هي لحظة إعلان الفرح بانتهاء شعيرة وابتداء بأخرى يبدأ معها موسم آخر يمتد لغيره من طرق الحياة التي تتفرع بنا كل في اهتماماته ومسؤولياته. حيث يواصل فيها كل واحد منا المسير بروح منتعشة مقبلة ومتفائلة بعد لحظات صنع فيها الفرح كعبادة شكر لله على كل النعم التي حبانا بها في شهر رمضان، وهي نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى وعلى رأسها التقرب منه بطرق متنوعة تدخل السرور على فاعلها ومن تقدم له فهي عملية فرح متبادل بين المعطي والمعطى له، من البشر زكوات وصدقات ينتفع بها من يستحقها وأطايب من الطعام المتبادل وموائد يشترك فيها الغني بالفقير، وكذلك بين الله المعطي والمعطى له من الخلق إنه الحب الرباني الذي يرزقنا به الله أليس هو الله ربنا الذي يحبنا ونحبه ويرزقنا القدرة على صناعة الفرح لأنفسنا ولغيرنا.