تتنوع مظاهر وعادات شهر رمضان المبارك من بلد إلى بلد آخر نستضيف اليوم السفير هشام الفوراتي سفير الجمهورية التونسية لدى المملكة ليحدثنا عن رمضان في تونس قديماّ وحديثاً وعن العادات والتقاليد التونسية خلال هذا الشهر المبارك فإلى الحوار: * ماذا بقي من ذكريات سنواتكم الأولى في الصيام؟ وكيف كانت أجواء رمضان في تونس قديما؟ * في البداية مبارك عليكم هذا الشهر الفضيل، أعاده الله تعالى على أمتينا العربية والإسلامية بوافر الخير والسعادة، من منا لا يتذكّر تلك السنوات التي تقبل علينا ببركاتها والناس يتأهبون لاستقبال هذا الشهر الكريم شهر الصيام والقيام والعبادات، وشخصيا لا يغيب عن بالي للحظة تحمّسنا ونحن صغار لاستقبال هذا الشهر المبارك لما يحمله لنا معه من أجواء مختلفة عن نظيراتها في الأيام العادية من السنة، وتحمّسنا لأولى تجاربنا للصيام، ومشاركة أهالينا في إعداد مائدة الإفطار دقائق قبل آذان المغرب الذي يتزامن توقيته مع صوت المدفع إيذانا بتجمّع أفراد العائلة للإفطار، كما كانت أصوات المآذن التي تتعالى من كل صوب بمدح رسولنا الكريم أو لأداء الصلاة تزيد من بهجة احتفالنا بالشهر الفضيل. وشوارع تونس، في شهر رمضان المبارك، كمثيلاتها في عديد الدول العربية والإسلامية تتميز بحركية خاصة تعكس مكانة وأهمية هذا الشهر الفضيل في نفوس وقلوب التونسيين المحافظين على تقاليد ورثوها منذ القدم عن الأولين، فترى الاستعدادات في كامل ولايات الجمهورية، ترحيبا واستبشارا بهذا الشهر الفضيل لما له من مذاق خاص، وعادات فريدة، وأجواء روحانية جليلة، تتعدّد خلالها مظاهر التحضيرات، وتبدأ الأسر في أعمال تنظيف شاملة للمنازل من خلال طلاء الجدران وتجديد الأواني وتحضير العولة وخزنها، كما يتم تهيئة وتزيين بيوت الله التي تعج بمرتاديها خلال رمضان فهو شهر تتعالى فيه الحناجر بالصلوات، والأذكار، والتّوجّه بالأدعية إلى الله تعالى تضرّعا وتقرّبا. * متى كان أول رمضان تصومونه خارج البلاد؟ * إن أول رمضان أصومه خارج بلادي كان رمضان سنة 2021 بالمملكة العربية السعودية، بعد تسلّم مهامي سفيرا للجمهورية التونسية لدى المملكة بأشهر قليلة، حيث لم يسبق أن صادف أو تزامن تواجدي خارج تونس مع هذا الشهر، وفي الحقيقة أعجبت بأجواء السعوديين الذين يستعدون لاستقبال هذا الشهر المبارك في أجواء استثنائية مفعمة بالحياة، والتي تعرف أوجها منذ أواخر شهر شعبان، وما يرافق ذلك من تزيين للشوارع والأسواق التجارية، كما تعم المملكة أجواء روحانية مميزة تنطلق بصلاة التراويح، وحرص الكثيرين على أداء مناسك العمرة في هذا الشهر، وما يرافق ذلك من أعمال خيرية، وتبادل للزيارات بين الأهل والأقارب، كما تعتبر هذه المناسبة فرصة للاطلاع على أشهر الأطباق التي يتناولها السعوديون خلال شهر رمضان، على غرار أطباق الدجاج أو اللحم بالأرز، المندي، الكبسة، البرياني، والمعجنات والعصائر. * ما العادات والتقاليد التونسية خلال شهر رمضان المبارك؟ * تحرص تونس كغيرها من البلدان العربية والإسلامية على الاحتفال بشهر رمضان كأبهى ما يكون، مستلهمة في ذلك من موروثها الثقافي وتاريخها وعاداتها وتقاليدها التي أثرتها الحضارات المتعاقبة على بلادنا، ولقد كان لهذه الحضارات تأثير كبير على الشخصية التونسية التي أصبحت بمرور الزمن فسيفساء تجمع بين عادات وتقاليد مختلفة تبرز قدرة التونسيين على قبول الآخر والتفاعل معه، بكيفية أثّرت في أسلوب حياتهم، وكذلك في طريقة احتفالهم بالمناسبات المختلفة، فالحاضر التونسي هو انعكاس لثقافة عميقة ومتأصلة ضاربة في عمق التاريخ استطاعت رسم الهوية التونسية المعاصرة كما أفردتها بخصوصية يمكن للزائر أن يطّلع عليها بمواكبته للحياة الاجتماعية والثقافية والعمرانية والدينية للشعب التونسي، في هذا الشهر المبارك تمتلئ الجوامع في كامل ولايات الجمهورية بروادها، لتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن الكريم يرتّلها أئمة من خريجي جامع الزيتونة للعلوم الإسلامية. وترى التونسيون يتسابقون بعد الإفطار لأداء صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر وحلقات الوعظ الديني والمحاضرات والمسامرات الدينية. وتنظم السلطات التونسية العديد من المسابقات لحفظ القرآن في مختلف مساجد البلاد، وأهمها المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم، بمشاركة دول عربية وإسلامية، كما تشهد أعرق الجوامع في البلاد، على غرار جامع الزيتونة المعمور بتونس العاصمة، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان "منارة حضارة الإسلام" احتفالات دينية خاصة طوال شهر رمضان، وتتحوّل عاصمة "الأغالبة" مدينة القيروان إلى قبلة لآلاف الزوار الوافدين من الدول العربية والإسلامية لا سيما في الأيام العشر الأخيرة من الشهر المبارك، وليلة 27 رمضان التي تختم فيها تلاوة القرآن ويمثل شهر رمضان المبارك مناسبة للتكافل الاجتماعي بين أفراد الشعب التونسي، حيث تنتشر "موائد الرحمن" في مختلف أنحاء البلاد، كما يتنافس الجميع في تقديم المساعدات إلى الأسر المعوزة، وفي تنظيم القوافل التضامنية، كما يشكل شهر رمضان فرصة لتعزيز التقارب الأسري وربط صلة الرحم، وتنظيم حفلات الخطوبة خلال النصف الأول، في الوقت الذي تخصّص فيه ليلة 27 رمضان لتقديم الهدايا إلى الخطيبة (الموسم) وفي العشر الأواخر من شهر رمضان، تزدحم الشوارع والمقاهي والمحلات، إذ يصطحب الأولياء أبناءهم لشراء مستلزمات العيد من ملابس وحلويات مختلفة، في حين تزدحم مطابخ المنازل هي الأخرى بالنساء اللاتي يقمن بإعداد حلويات العيد. * ما الأطباق الرمضانية المشهورة بها المائدة التونسية؟ * يحرص التونسيون خلال هذا الشهر المبارك على الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم الغذائية، فتعدّ أشهر الأكلات والأطباق الشعبية التي تختلف وصفاتها من منطقة إلى أخرى، ويحرصون على توارثها جيلا عن جيل، فنجد على مائدة الإفطار "شقان الفطر" الماء والحليب أو اللبن مع تمر محلى بالزبدة أو الشامية في حين تتكون وجبة الإفطار من "الشربة" والسلطة و"البريك" إلى جانب الطبق الرئيس ك "الكسكسي أو "النواصر" أو "المقرونة" أو طبق "الكفتاجي" تليها الحلويات التقليدية التونسية من ذلك "الزلابية والمخارق" التي تشتهر بها ولاية باجة، وكعك الورقة (ولاية زغوان) وغيرها من الحلويات أما بالنسبة للسحور فيتكون من الحليب والتمر إلى جانب أكلات تونسية تقليدية مثل "الرفيسة" و"المسفوف" و"المحلبية". ففي تونس العاصمة يهيأ عادة طبق «الرفيسة» المكون من الأرز المطبوخ بالتمر والزبيب، أما في الشمال الغربي فتحضر العصيدة بالدقيق والعسل والسمن للسحور، ولا يترك أهل الجنوب فرصة هذا الشهر الكريم دون تحضير طبق «البركوكش» وهو دقيق يدمج مع الخضر، ومن أبرز الأكلات التونسية التي لا تكاد تغيب عن مائدة الإفطار طوال شهر الصيام طبق «البريك» الذي يتصدر المائدة في كل البيوت، وهو عبارة عن فطائر كبيرة الحجم تحشى بالتونة أو اللحم مع إضافة البصل والبقدونس والبطاطا والبيض تقلى لاحقا في الزيت، ومن ثمة يأتي دور الحساء وخاصة «حساء الفريك» باللحم أو السمك، ومن الأطباق الأخرى الشعبية التي توجد على مائدة الإفطار التونسية «الطواجن» بأنواعها المختلفة، وهي من الأطباق الشعبية المميزة، ويختلف إعدادها من منطقة لأخرى، وهو عبارة عن كيك مالح يصنع من الجبن الرومي أو الموزاريلا مع البيض والبهارات وبعض الخضراوات ونوع من اللحوم. * يحظى العمّار والزوّار خلال شهر رمضان المبارك بمنظومة خدمات متكاملة لتسهيل أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، كيف يرى سعادتكم عناية حكومة المملكة بالحرمين الشريفين خصوصا في هذا الشهر الكريم؟ * بعد الإعلان عن العودة التدريجية لزوار بيت الله الحرام على إثر جائحة "كوفيد 19" التي شهد العالم ذروتها خلال السنتين الفارطتين، أخذت أعداد المعتمرين في العودة إلى نسقها الطبيعي على غرار ما كانت عليه قبل الجائحة، بدون فرض أي قيود على العمرة، وإتاحة الفرصة لحامل تأشيرة عمرة بزيارة أي مدينة في المملكة، وكذلك أي زائر للمملكة متاح له أداء العمرة في أي وقت والحقيقة كلنا يرى العمل الاستثنائي والمميز للقيادة والسلطات السعودية من أجل رفع جودة الخدمات والحلول المُقدمة لأداء العمرة من خلال تطوير الأنظمة والتشريعات بما في ذلك التمديد في مدة تأشيرة العمرة من 30 يوماً إلى 90 يوماً مع إتاحة إمكانية التنقل بين مناطق ومدن المملكة لزيارة المدن، ولقد وفرت المملكة لزوار بيت الله الحرام سبل الراحة التي جمعت بين توفير أطر بشرية مؤهلة للتعامل والتواصل مع المعتمرين بمختلف اللغات، وكفاءات طبية، ومرشدين، يسهرون على راحة المعتمرين الذين يتوافدون في مثل هذا الوقت من السنة على بيت الله الحرام من كل أصقاع الدنيا. كما تواصل المملكة نهجها في توظيف التكنولوجيا الحديثة لتيسير أداء المناسك والفروض من ذلك الروبوتات والبرامج والتطبيقات وغيرها. ولعل من بين أحد أهم وأبرز البرامج المنبثقة عن رؤية المملكة 2030 سعي السلطات السعودية إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضة العمرة على أكمل وجه وتعمل المملكة على توفير بنية تحتية جديدة من الفنادق في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، لاستيعاب ضيوف الرحمن، وبالتالي تكوين منظومة متكاملة خلال هذا الشهر المبارك تتميّز بجودة الخدمات، بما يعكس حرص القيادة السعودية على أن يؤدّي المعتمر مناسكه في أفضل الظروف.