منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، ومسيرة الخير السعودي والدعم الإنساني لم تتوقف، لمساندة الفئات المحتاجة في الداخل والخارج، وفق منظومة خيرية متكاملة وشاملة، ترفع شعار «الإنسان أولاً»، حتى أصبح العمل الإغاثي والإنساني في المملكة، نموذجاً عالمياً، يُحتذى به بين الدول والمنظمات الإنسانية والخيرية. ويوماً بعد آخر، أصبحت المملكة رائدة في هذا المجال، على الصعيدين المحلي والدولي. وأطلق عليها كثيرون لقب «مملكة الإنسانية»، نظير جهودها الكبيرة التي غطت مشارق الأرض ومغاربها، وشهد لها القاصي والداني؛ لأنها وضعت نصب عينيها حياة الإنسان وكرامته وصحته أياً كان، وأينما كان، وذلك عبر برامج إنسانية احترافية، تتبع معايير فنية مُحكمة. وتوجت المملكة عطاءها الإنساني في الداخل، بتأسيس جمعيات خيرية كثيرة، يتجاوز عددها اليوم 1050 جمعية، تعمل في مسارات ومجالات مختلفة، منها 230 جمعية تعاونية، و150 مؤسسة خيرية، و530 لجنة تنمية، وخارجياً، بلغ قيمة ما قدمته المملكة من مساعدات خارجية أكثر من 94 مليار و600 مليون دولار، في صورة مساعدات إنسانية وإغاثية، خلال الفترة بين 1996 – 2022م، استفادت منها 164 دولة حول العالم. عطاء الملك سلمان في الخير مستمر في رسالة دكتوراة قدمتُها إلى قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة، بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب، الموسومة بعنوان "سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في العمل التطوعي"، تبين لي أن شخصية خادم الحرمين الشريفين، نابعةٌ من إيمانه العميق بأحكام ومبادئ الشرع الحنيف في كل تصرفاته السياسية والإدارية والخيرية، وأبرزت نظرته الثاقبة لأهمية العمل الخيري والإنساني في بناء مجتمع قوي مترابط ومتلاحم، من أجل توثيق عرى الأخوة الإنسانية؛ لذلك أولى -حفظه الله- عناية كبيرة لجميع المجالات الخيرية والإنسانية في مسيرة استمرت أكثر من نصف قرن سار فيها على درب والده المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، وقدم خادم الحرمين -سلمه الله- طوال مسيرته الدعم الكبير لمجالات خيرية متنوعة منها الدعوية والعلمية والصحية والاجتماعية والإغاثية وغيرها سواء داخل المملكة أو خارجها، وأنشأ لهذا الغرض العديد من المؤسسات والجمعيات كان آخرها مركز الملك سلمان للإغاثة الذي برز دوره في الدعم الخارجي، وكان آخر ما قام به المركز مساندة تركيا وسورية في الزلزال الذي ضرب البلدين مؤخراً، وها هو وولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقتدي بجده ووالده في هذه المسيرة. الأمير محمد يسير على ذات الخطى وعلى درب خادم الحرمين الشريفين في خطى الخير، يسير ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي يُحسب لسموه أنه ومن خلال رؤية 2030 رسخ القطاع غير الربحي بشكل أكبر، وعزز مسيرته في البلاد، وفق آليات ومبادئ ثابتة، تُعلي من قيمته المضافة، وتبرز دوره في تقديم كل صور الخير إلى مستحقيه من جانب، وفي تعزيز جانب التطوع من جانب آخر. واشتهر ولي العهد بحبه للعمل الخيري والإنساني، حيث يملك سموه سجلاً حافلاً بالعطاءات الخيرية والإنسانية والمبادرات المجتمعية في جميع المجالات: الاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والسكنية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية والغذائية، والإغاثية، وغيرها من أعمال البر. وعُرف عن ولي العهد أيضاً دعمه لأوجه البر والإحسان والمسابقة في ذلك، والوقوف بجانب جميع الفئات ذات الدخل المحدود، وتفقد أحوالهم، وتأمين احتياجاتهم في أسرع وقت ممكن، متجاوزًا أي عقبات بيروقراطية، أو أي معوقات مالية، قد تعطل وصول المساعدات إليهم؛ وهذا ما جعل العمل الخيري في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين محمد بن سلمان -حفظهما الله- ينمو بوتيرة متسارعة؛ لأن سموه أولى العمل الخيري والاجتماعي جل عنايته واهتمامه، انطلاقاً من إيمانه بالدور الحيوي الفعال لمنظمات المجتمع المدني، ممثلة في القطاع غير الربحي، ودوره في تنمية المجتمع، ورفع معدلات الإنتاج المحلية من خلال تطبيق فعلي لمعنى التنمية المستدامة. المؤسس والملوك ولوحظ عن سمو ولي العهد، المسارعة في تقديم الدعم المباشر واللامحدود على المستويين المحلي والدولي، وتشجيع كل البرامج والمبادرات والمناشط الهادفة، لترسيخ ثقافة العمل الخيري؛ وذلك لإدراك سموه أهمية العمل الخيري في تضامن المجتمع، وتطويره، وفي ترسيخ روح التعاون والأخوة الإنسانية، وهو يسير في هذا الدرب، ليس على خطى والده خادم الحرمين الشريفين فحسب، وإنما على خطى جده، المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، وكذلك ولاة الأمر ملوك المملكة -رحمهم الله- حيث سار حكام المملكة المتعاقبين على هذا الدرب، ممتثلين لتعاليم الدين الإسلامي وقيم الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى التكافل والتراحم بين أفراده كما في الحديث (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أخرجه البخاري ومسلم. دعم سخي ولعل من أبرز أوجه الدعم الاجتماعي، الذي قدمه ولاة الأمر في الفترة الأخيرة، ما حظيت به حملة "اكتتاب جود الإسكان الخيري" التي أطلقتها منصة "جود الإسكان"، بتبرعين سخيين بقيمة 150 مليون ريال، الأول تبّرع به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بقيمة 100 مليون ريال، والثاني تبّرع به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكان بمبلغ 50 مليون ريال؛ في إطار حرص القيادة السعودية على دعم جميع الجهود والمُبادرات الاجتماعية، التي تستهدف توفير مساكن للأسر الأشد احتياجاً. ويضاف هذا الدعم إلى سلسلة مساعدات كثيرة، قدمها خادم الحرمين وولي العهد تباعاً، إلى الجمعيات الخيرية، لدعم مسيرة الخير، ومساعدة الفئات المحتاجة، وتوفير كل ما تحتاج إليه. الرؤية.. والعمل الخيري ولم يكن اهتمام ولي العهد بالقطاع غير الربحي في رؤية 2030 عادياً، وإنما انطلق وفق أهداف محددة، يجري تحقيقها تباعاً، إذ حرص سموه على مواكبة القطاع غير الربحي تطلعات الرؤية، من خلال زيادة مساهمته في الناتج المحلي إلى 5 ٪، ورفع أعداد المتطوعين إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول عام 2030م. ويؤمن سمو ولي العهد بأن القطاع غير الربحي، يمكن أن يسهم بشكل فعال في تنمية مختلف المجالات التي تخدم المجتمع، وترسخ ثقافة المسؤوليَّة الاجتماعيَّة، إضافة إلى كون هذا القطاع محوراً أساسياً؛ لتحقيق التنمية المستدامة، في ظل ما تشهده المملكة من دعم متواصل، يعزز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع؛ من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها. المسؤولية الاجتماعية وقد ضمَّن سمو ولي العهد الرؤية محوراً خاصاً بالقطاع غير الربحي، لأهميته في التحولات الاقتصادية للوطن، عندما أكدت الرؤية على تعزيز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع، وترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية من خلال التكامل والتعاون بين الجهات الحكومية المختلفة والأفراد والمؤسسات غير الربحية لتعظيم نفعها وتعزيز اللحمة الوطنية والتكاتف والتعاضد في بناء مجتمع مثالي متعاون، يتميز بالبذل والعطاء ومساعدة الآخرين. وقد أثمرت الرؤية في نشر ثقافة المسؤوليَّة المجتمعيَّة، وترسيخ مفهومها، وظهرت منافعها، فبدأت المنظمات غير الربحية بازدياد، تعمل تحت إشراف ومراقبة وزارة الشؤون الاجتماعية، كما تعددت صيغ التعاون الفعَّال بين مؤسَّسات القطاع غير الربحي والأجهزة الحكوميَّة؛ وظهرت عدة شراكات متنوعة بين مؤسَّسات الدولة والمنشآت الخاصَّة لإنجاز مشروعات تنمويَّة استراتيجيَّة في قطاعات حيويَّة كالإسكان والصحَّة والتعليم، وتمَّ إطلاق العديد من برامج ريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة، وتنظيم دورات التطوير المهني والإداري لتمكين الأفراد، ورفع حجم انخراطهم في المشروعات الاستثماريَّة الخاصَّة، وتأهيلهم لدخول قوَّة العمل، كما أثمرت رؤية المملكة 2030 في زيادة عدد المنظمات غير الربحية، وطورت من أدائها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. مؤسسة "مسك" ومن صور الخير لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تأسيس مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز المعروفة اختصارًا ب"مسك"، وهي مؤسسة غير ربحية، أنشأها سموه، ويرأس مجلس إداراتها، وتعمل المؤسسة على توفير التعليم للمجتمع في كل المجالات، من بينها المجالات الأدبية والثقافية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجية، ومجالات الأعمال، وتعقد الشراكات مع المنظمات المحلية والعالمية، التي بدورها، تقدم الدعم للمشروعات الناشئة، وكل ذلك بهدف تحقيق التطور والتقدم في السعودية، وزيادة مساهمتها الفاعلة من خلال المشاركة في اللجان والعضويات الدولية، ومن أهمها منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو، التي تعد المملكة عضوًا مؤسسًا فيها، وعضواً في مجلسها التنفيذي المنتخب في نوفمبر 2019. ففي 2016 جرى توقيع اتفاقية شراكة بين المنظمة، ومؤسسة "مسك" شملت إطلاق برامج مشتركة في مجالات التعليم، والثقافة، والإعلام، ودعم الشباب. ومن بين أهداف المؤسسة، تقديم الهبات والمساعدات والإعانات، ودعم الجمعيات والمؤسسات الخيرية (المرخص لها رسمياً). المركز الوطني ولأن تنمية القطاع غير الربحي هدف إستراتيجي، ضمن خطة رؤية 2030 الهادفة، فقد أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (459) وتاريخ 11 /8 /1440 هجري، بالموافقة على تنظيم المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، من أجل تنظيم دور منظمات القطاع غير الربحي وتفعيله، وتوسيعه في المجالات التنموية، وللإشراف على القطاع غير الربحي وتشغيله؛ لحوكمة القطاع، وتمكينه من العمل بانسيابية تدعمه في تحقيق التطلعات المرصودة، ولتحقيق أعظم أثر للقطاع على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، حيث يُعد المركز إحدى مبادرات برنامج التحول الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. وحسب إحصاءات المركز الوطني، يوجد في المملكة 3156 منظمة غير ربحية، تتضافر جهودها في تقديم المساعدات المختلفة للفقراء والمحتاجين، وتعمل على ترسيخ مبدأ التعايش والتسامح والتعاون والتكاتف والتلاحم بين أبناء المجتمع، خاصة في ظل الأزمات والجوائح العالمية التي يشهدها العالم. ويؤدي المركز دوره في تحقيق مبادئ التكافل الاجتماعي، ويقوم بدور رئيس في تحقيق التنمية المستدامة، ويشرف المركز على مختلف الجمعيات والمؤسسات الخيرية. إحصاءات خيرية وحسب إحصاءات مشروع "دعم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للجمعيات الخيرية" فقد استفاد أكثر من (102) ألف مستفيد ومستفيدة من الأيتام وذوي الإعاقة ومرضى السرطان وكبار السن والأرامل والمطلقات والشباب والفتيات المقبلين على الزواج والأسر المحتاجة والمتعففة، في مناطق المملكة كافة. وتكفل ولي العهد عبر برنامج سند محمد بن سلمان، بتقديم الدعم المادي لشرائح مختلفة من المجتمع السعودي، وفق آليات مدروسة ومنظمة؛ فعلى سبيل المثال، قدم سند الزواج دعماً كبيراً للمتزوجين حديثًا، لتخفيف أعباء الزواج، واستفاد من هذا السند عشرات الآلاف بمبلغ قارب المليار ريال سعودي. ووفق الإحصاءات أيضاً، فقد قدم سموه الدعم لأكثر من 70 جمعية، وبلغ دعم سمو الأمير محمد بن سلمان لمشروعه الخيري للجمعيات الخيرية مئات الملايين، واستفاد من هذا الدعم مئات الآلاف في مناطق المملكة كافة، وقد تنوع دعم سموه للمنظمَّات غير الربحيَّة بين المنح والإعانات الماليَّة والتسهيلات الائتمانيَّة وتمويل مشروعاتها، وأثمر هذا الدعم في تسريع تحقيق تلك المنظمات لأهدافها، وفي توسيع أنشطتها وتنوعه في نشاطات اجتماعيَّة مبتكرة، مثل الرعاية الصحيَّة والتعليم والإسكان، والأبحاث وبرامج حماية البيئة والفعاليَّات الثقافيَّ. * أكاديمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبدالله بن مترك القحطاني