بعض التغيرات في المُجتمع سُرعان ما تتضخم بصورةٍ يصعب معها تحجيم آثارها أو الحد من تمددها، ولعل من أبرز تلك التغيرات خلال العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين فرض وسائط التواصُل الاجتماعي الإلكترونية تأثيرها على عقلية المُتابعين، لا سيما مُدمنيها من الأجيال الشابة. مثلما لكل وسيلةٍ حديثة سلبياتها وإيجابياتها؛ فإن لتلك الوسائط وجهًا إيجابيًا وآخر مُغرقًا في السلبية، ومع اعتبارها جسر تواصل بنَّاء بين المُستخدمين، ووسيلة مثالية لمعرفة بعض المعلومات والأخبار من حسابات مصادرها الرئيسة، وربما مساحة لتبادل الآراء المُثرية للأفكار، إلا أن من أخطر أوجهها السلبية تحولها إلى أداة لغسل أدمغة غير الواعين من المُستخدمين، لا سيما مَن تجربتهم الحياتية على أرض الواقع قصيرة أو غير ناضجة بما فيه الكفاية، فيغدو الفرد منهم فريسة سهلة للمؤسسات التجارية التي ترى فيه مُستهلِكًا مُحتملاً لمنتجاتها، فتُطلق الصور المُغرية تلو الصور والإعلانات تلو الإعلانات مُستهدفةً تلك العقول لتحقيق أكبر أرباح ممكنة على حساب أولئك البشر. هذا الإغراق بالصور المُغرية ومُختلف أشكال الإعلان التجاري حوَّل أدمغة كثير من المُتابعين إلى آلات مُنقادة دون تفكيرٍ بالظروف المادية الحقيقية لهذا الشخص، لقد تحول هم الكائن البشري في بعض المُجتمعات إلى مخلوق تنحصر همومه في تناول العشاء على إحدى طاولات المطعم الذي رأى لصديقه صورةً التقطها فيه، وشراء تلك الملابس التي رأى مثلها على «سناب شات»، واقتناء تلك السيارة التي خلبت صورتها لبه على «إنستغرام»، والسفر إلى ذاك البلد الذي كان زميله يتباهى عبر تطبيق «تيك توك» بحجزه في أفخم فنادقها! إلى درجةٍ تطورت فيها الأمور ليُحمِّل الناس كواهلهم بقروض مُنهكة لإقامة الحفلات الخاصة بهدف تصويرها لنشرها عبر وسائط التواصُل وإغاظة الأهل والأصحاب! قد لا يكون من الممكن إيقاف التأثير السلبي لتلك الوسائط على الآخرين، لكن ما لا شك فيه أنك يُمكنك إنقاذ نفسك من هذا المصير بعدم فتح أبواب عقلك مُشرعة لمُحترفي التسويق.