كتب نعوم تشومسكي محذراً مقالاً الأسبوع الماضي في صحيفة النيويورك تايمز مع آخرين عن ظهور الذكاء الاصطناعي مؤخراً بتطبيقات جديدة رفعت من آفاق التوقعات إلى أقصاها. فمع ظهور تقنيات الدردشة الذكية، أصبح بمقدور المستخدم أن يتحدث مع التطبيق كما لو كان يتحدث مع زميله في العمل بلغة احترافية دون مشقة. وما أظهره تطبيق الدردشة (جي تي بي) خصوصاً من قدرات على الإجابة عن أسئلة دقيقة أو تنفيذ أعمال تخصصية أو إبداعية، فتح باب النقاش حول مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يقف منه نعوم تشومسكي موقف المشكك. موقفه من الذكاء الاصطناعي هو موقف من الذكاء نفسه. ففي نقده للحماس الذي استقبلت به قدرات التطبيقات الحديثة، يرى أن الوصول إلى الذكاء الحقيقي يتطلب أموراً لا تتوفر لدى هذه التطبيقات اليوم ولا غداً ولا حتى بعد غد. يقول تشومسكي: في الواقع، هذه البرامج عالقة في مرحلة ما قبل الإنسان أو غير البشرية من التطور المعرفي. أعمق عيب لديهم هو عدم وجود القدرة الأكثر أهمية لأي ذكاء: أن نقول ليس فقط ما هو الحال، وما هو الحال وما سيكون عليه الحال - هذا هو الوصف والتنبؤ - ولكن أيضاً ما ليس هو الحال وما يمكن وما لا يمكن أن يكون عليه الحال. هذه هي مكونات التفسير، علامة الذكاء الحقيقي. يسرد تشومسكي المثال التالي: لنفترض أنك تحمل تفاحة في يدك. الآن تركت التفاحة تذهب. تلاحظ النتيجة وتقول: "تسقط التفاحة". هذا وصف. ربما كان التنبؤ هو عبارة "ستسقط التفاحة إذا فتحت يدي". كلاهما قيم، وكلاهما يمكن أن يكون صحيحاً. لكن التفسير هو شيء أكثر من ذلك: فهو لا يتضمن الأوصاف والتنبؤات فحسب، بل يشمل أيضاً تخمينات عكسية مثل "أي كائن من هذا القبيل سيسقط"، بالإضافة إلى العبارة الإضافية "بسبب قوة الجاذبية" أو "بسبب انحناء الزمكان" أو أياً كان. هذا تفسير سببي: "لم تكن التفاحة لتسقط لولا قوة الجاذبية." هذا هو التفكير. ينبع نقد تشومسكي للتطبيق من تحفظه على مفهوم الذكاء كما هو واضح، وهو موقف له وجاهته خصوصاً أنه صادر من أكاديمي أمضى عمره في دراسة المفاهيم المعرفية في اللغة والعقل. ما لا يستطيعه الذكاء الاصطناعي اليوم يفوق ما يستطيعه، فهو إضافة إلى ما سبق، أقل كفاءة وأقل قدرة على التفريق بين الممكن والمستحيل والتنبؤ بما سيكون، بل هو خلاصة كل تناقضاتنا المعرفية وضعت في آلة فرز متطورة. كل ذلك صحيح، إنما لا يجب أن نغفل أن الابتكارات تبدأ من منطقة هشة في قاع القدرة المعرفية وتنمو تدريجياً. المبالغة في الاحتفاء بمنجزات الذكاء الاصطناعي اليوم ليس سوى الشعور أن المنطقة الهشة التي قامت عليها التقنية سابقاً أصبحت أصلب، وأن ما تحقق اليوم يبشر بتطبيقات أكثر كفاءة وأعظم نفعاً.