عندما تقرأ تاريخ الدول السعودية الأولى، والثانية، والثالثة؛ تجد أن السمات الأبرز هي البأس الشديد لأئمتها، والإصرار الدائم على الانتصار، والقدرة المدهشة على العودة بعد أي سقوط. في كل المرات كانت المعارك ضد جيوش أجنبية منظمة، مكتملة العدد والعتاد، ومدعومة بأحدث التجهيزات والتحالفات، ومع كل هذا حضرت الندية كأساس أصيل في كل النزالات. انتصر أئمة الدول الثلاث في ظروف بالغة التعقيد، وتحديات تتعلق بنقص الموارد والاعتماد على الجهود الذاتية، ليؤكدوا على المهارة القيادية والإيمان بالقضية.. ما يعكس الرغبة الحقيقية في البناء، وإيجاد دولة آمنة، ومركز موحد للقرار، يجمع القبائل بعد قرون من التشتت والخوف والجوع، وتحول المجاميع المتناحرة لمجتمعات مدنية، تتعايش مع الآخر وتتكامل معه، وتتفاعل مع محيطها وتكتشفه. اللافت في تاريخ الدول السعودية هو الصمود الكبير، بعد السقوطين الأول والثاني؛ احتاجت إلى سنوات قليلة - بالنسبة لتاريخ الدول - للعودة من جديد، ومتابعة النمو والبناء والتمدد. في المرة الأولى، تطلب الأمر سبع سنوات فقط على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240ه (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309ه (1891م)؛ وبعد انتهائها بعشر سنوات، جاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319ه (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة، ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية. سريعًا، ازدهرت المملكة وصارت في صفوف الدول الأولى في قطاعات عدة، ورائدة في العديد من المجالات، يأتي يوم التأسيس، ليذكرنا بأهمية الرحلة منذ العام 1727م وما تحقق فيها، ويحفزنا للعمل وصولاً للعام 2030م، وما بعده. لا يمكن قطع الحبل الواصل بين التاريخين، أو فصل المراحل بعضها عن بعض، لأنها تأتي كامتداد صلب للدولة، والرغبة الحقيقية والجادة لإرساء الحكم، وصون مكتسبات الدول الثلاث. مع التسارع في العالم، بكل أشكال العجلة، وخاصة مع الانفتاح المعرفي والتقني والرقمي، ووجود مصادر مشوهة ومزيفة للمعلومات والمعرفة؛ أصبح لزامًا التذكير المستمر بإرث الدولة العظيم، وما حققه الآباء والأجداد من انتصارات ومجد، لنشرح في الوقت نفسه للجميع طموحنا الضخم، لأنه يرسي على أساس متين.. ومحمي بحصون الدرعية، منذ أكثر من ثلاثة قرون. والسلام..