ألا ياسائلي كيف انتمائي بلا فخر أقول أنا هلالي فلا اليوفي ولا الميلان يجزي ولا البرشا ولا حتى الريالِ في منتصف الستينات الميلادية وبعد أن فاز الهلال بثلاث بطولات خلال أربع سنوات متفوقا على فرق سبقته خبرة وتاريخا بعد دمج أندية الوسطى ثم الشرقية مع أندية الغربية في كأس الملك وولي العهد، قال شاعر الوطن وشاعر الهلال إبراهيم خفاجي -رحمه الله- قصيدته المشهورة: إذا لعب الهلال فخبروني فإن الفن منبعه الهلال وبعد نصف قرن وتحديدا بعد عشر سنوات وبعد أن تجاوز مد الهلال البطولي النطاق المحلي إلى الإقليمي ثم القاري أضاف أبو شاكر لها بعض الأبيات لتواكب تلك الإنجازات منها البيتان أعلاه. لو كان الخفاجي موجودا بيننا، ماذا سيقول عن ناديه الهلال وهو يتجاوز كل الأرقام والتحديات بسنوات ضوئية (65 بطولة)؟ وفي السنوات الست الأخيرة فقط فاز ببطولة الدوري 5 مرات منها 3 متتالية، وبدوري آسيا مرتين وينافس على الثالثة، ورابع كأس العالم مرتين والوصيف مرة واحدة. ماذا سيقول وهو يشاهد هلاله يقارع ريال مدريد على زعامة أندية العالم، ويقف منه موقف الند للند؟! رحم الله إبراهيم خفاجي والشيخ عبدالرحمن بن سعيد الذي أسس هذا الكيان على قاعدة صلبة ونهج واضح ،راسما له خارطة طريق أصبحت معروفة لدى الأوساط الرياضية داخليا وخارجيا ب(ثقافة الهلال)، وهي ثقافة خاصة به لا تتأثر ولا تتبدل بتعاقب الأجيال، هذه الثقافة كانت سلاحه ووقوده في كأس العالم للأندية وتجلت أكثر في النسخة الأخيرة. عانى من نقص كبير بسبب إصابة لاعبيه.. وممنوع من التسجيل وموقوف.. (ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء) لكن ثقافته بعد توفيق الله وإجادته (فن العوم) في (البحر اللجي) مكنته من السباحة ضد التيارات المائية والوصول لشاطئ الأمان متجاوزا منافسيه، واقفا بكل شموخ وصيفا ل (ريال مدريد) نادي القرن في أوروبا وأفضل نادٍ في العالم في القرن العشرين وصاحب ال100 بطولة وفق معايير الفيفا، رافعا رايته وراية وطنه المملكة العربية السعودية في هذا المحفل العالمي، مؤكدا أنه السفير المعتمد للكرة السعودية في المحافل الدولية وخير ممثل لها. الهلال لم يعد فريقا ينافس على البطولات المحلية أو الإقليمية والقارية، فقد أصبح (ماركة) يقف إلى جانب الأندية العالمية ينافسها ويتنافس معها. واللاعب الهلالي أيا كانت خبرته وعمره الزمني ما عاد اللاعب الذي يهاب الميادين العالمية والنجوم العالميين. (يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم) ذلك أن بيئة الهلال تساعده على أن يتشرب هذه الثقافة وأن تكون جزءا من حياته العامة، فأقصى الوداد المغربي على أرضه واتبعه ب فلامنجو البرازيلي (بطل أميركا الجنوبية)، ثم وقف ندا أمام ريال مدريد خاسرا النهائي بشرف 5/3، ليكون أول فريق يسجل 3 أهداف في مرمى الريال في تاريخ نهائيات كأس العالم للأندية. كل منصف وغير منصف (اقتنع أم لم يقتنع) تابع وسائل الإعلام العالمية وما قالته عن الهلال بعد تأهله المرة الثالثة وقبل وبعد لقائه مع فلامنجو ثم الريال واضعة إياه في مصاف هذه الأندية العالمية. لنكن واقعيين وننسى أنه الهلال، وننظر له كفريق سعودي، لنتساءل: ماذا يعني هذا كله؟ في مونديال قطر 2022 عندما حضر المنتخب السعودي وفاز على الأرجنتين لاحظنا أثر ذلك وردود الفعل في الصحافة العالمية. ولم تمضِ ثلاثة اشهر حتى حضر الهلال في كأس العالم للأندية والصحافة العالمية. وإذا كان خبراء التسويق والإعلام قدروا القيمة الإعلانية لفوز السعودية على الأرجنتين ب30 مليار ريال، فكم يمكن تقدير أداء الهلال في مونديال الأندية؟ إن ما حققته المملكة من جراء هذين الحدثين لا يمكن أن يتحقق فيما لو دفعنا أضعاف هذا المبلغ مع الأخذ في الاعتبار الفرق بين الإعلان المدفوع والإعلان المكتسب وتأثيره. ما أعنيه تحديدا أن الرياضة لم تعد فوزا وخسارة بقدر ما أصبحت قوة ناعمة وأداة حضارية في تقديمنا للآخر وتحقيق رؤية المملكة 2030 التي أصبح الهلال ذراعا من أذرعتها بحضوره العالمي الدائم. يحضر الهلال فتشرئب أعناق تخشى حضوره وأخرى تبحث عن مجد جديد. يحضر (هلال الأرض) فيحاكي (هلال السماء) في منازله، فيعم الكون بضيائه وانتشاره، فلم يعد زعيم الأرض بل أصبح زعيم أكثر من في الأرض. بطل القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا وأميركا الجنوبية) التي تشكل أكثر من 80 % من سكان العالم وتضم أكثر أندية العالم. لا تحجبه الغيوم فإن توارى خلفها (هلال) بان في مكان آخر قمرا منيرا، فهو (بدر) في كل منازله ومراحله. انتظروا (سقوطه) عطفا على نقصه وظروفه وقوة منافسيه.. حملوه المسؤولية إمعانا في التحدي.. رفضوا تهنئته بالإنجاز مطالبينه بالوصافة، ظنا أنه إعجاز ثم بحثوا عن مبررات تخرجهم من الإحراج. فكان أهلا للتحدي.. وكان (على قدر اهل العزم).. لأنه بارع في الرياضيات وعلم اللوغاريتمات.. ومدرك لعلم النفس والخوارزميات.. وهو خير من يطبق قانون (نيوتن) الثالث في الحركة في الميادين والساحات. هذا هو الهلال إن لم يحقق الإعجاز فهو لا يعجز عن الإنجاز.. وإن لم يزرع له في الميدان راية فقد ترك من خلفه آية. والله من وراء القصد. 1