أشار وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحفي: "بأن سياسة الغرب التي تستهدف احتواء روسيا خطيرة للغاية، مشيرا إلى أنها تنطوي على مخاطر الانزلاق إلى صدام مسلح مباشر بين القوى النووية". ولا شك أن حديث الوزير يأتي على خلفية إعلان البيت الأبيض عن تقديم حزمة أسلحة بقيمة 2.2 مليار دولار لأوكرانيا تتضمن صواريخ "طويلة المدى"، وهذا يعد تهديداً مباشراً وتصعيداً خطيراً من قبل إدارة بايدن التي أعلنت في بداية الصراع عن عدم وجود نية لدعم أوكرانيا بالأسلحة سواء الدفاعية أو الهجومية. هذا التصعيد من قبل الغرب وبالتحديد أميركا سيضع الخيار النووي على الطاولة، وهذا بدون شك مصدر قلق للعالم بأسره منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بل تهديد للحضارة البشرية. قد يظهر للبعض أن استخدام الخيار النووي أمر مستحيل ولا يمكن لأحد الطرفين أن يخطو بهذا الاتجاه الجنوني، ولكن المواجهات المسلحة تمر بمنعطفات تتطلب رباطة جأش لا يملكها الكثير من البشر، وفي حال غياب تلك النوعية من البشر تحدث الكوارث التي لا يحمد عقباها، وفي هذا السياق أجد من المناسب ذكر حادثة كانت ستغير التاريخ وتعيد البشرية إلى عصور الظلام. في 26 سبتمبر 1983، قام ستانيسلاف بيتروف، الضابط البالغ من العمر 44 عامًا في قوات الدفاع الجوي التابعة للاتحاد السوفيتي بإنقاذ العالم بمفرده مما كان يمكن أن يكون نهاية الحضارة الحديثة. في ذلك التاريخ، كانت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي لا يزالان متورطين في حرب باردة، وكانت التوترات عالية. في هذه الأرض المشحونة بالتوترات أشار نظام الإنذار المبكر للاتحاد السوفيتي إلى أن الولاياتالمتحدة أطلقت خمسة صواريخ نووية على الاتحاد السوفيتي. كان بيتروف الضابط المناوب في مركز القيادة مكلفا في ذلك اليوم بتحديد ما إذا كان التنبيه دقيقًا أم لا. وكان عليه أن يقرر ما إذا كان سيبلغ رؤساءه عن التنبيه ويحتمل أن يشن ضربة انتقامية أو يثق في حدسه بأن التنبيه كان إنذارًا كاذبًا. رغم كل الصعاب، اختار بيتروف قرار الوثوق بحدسه وعدم الإبلاغ عن الإنذار الكاذب؛ هذا القرار الصعب أوقف حربًا نووية بين القوتين العظيمتين. قرار بيتروف الشجاع بالثقة في حدسه ربما أنقذ كوكبنا وحضارتنا من الهلاك والفناء. بعد عقود من الزمان، حصل بيتروف على جائزة المواطن العالمي، واكتسب التقدير لدوره في تجنب كارثة عالمية محتملة. القوى العظمى اليوم في حالة مواجهة عسكرية واستعراض قوة قد يورد العالم إلى المهالك، والعمل الدبلوماسي غائب بشكل كلي، والتهديدات عبر المنابر من قبل أعلى سلطة أصبحت سيدة الموقف؛ لذلك اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العالم بحاجة إلى رباطة جأش وحكمة الضابط بيتروف.