قبل أيام قلائل من الآن أقر الأوروبيون الممثلون بنواب في البرلمان الأوروبي قراراً يضع الحرس الثوري حرس خامنئي على قائمة الإرهاب الأوروبية، وصحيح أن القرار حاز على أغلبية داخل البرلمان لكنه أظهر وجود حجم لا بأس به من تيار المساومة والاسترضاء الأوروبي مع نظام الملالي، وكذلك ينتظر هذا القرار موافقة وزراء دول الاتحاد عليه، والمرجح أن الدولة العميقة داخل الاتحاد الأوروبي لن توافق على ذلك إذ تقود هي عملية الاسترضاء والمساومة مع نظام الملالي منذ عقود ولا زال. لم يكن الغرب الإمبريالي يوماً ما مع حقوق الشعوب الخاضعة لاستعماره ونفوذه وسطوته فقد كان ولا زال يرى أن الحرية هي ما يتعلق به وما يراه هو فقط، وقد كان ولا زال ينظر إلى استعمار واستعباد الدول والشعوب كفرص هو صانعها وبالتالي فهي حقوق مسلم بها، ولم يحدث يوماً أن ترك الاستعمار مستعمراته من تلقاء نفسه بل كان يُخرَج دائماً مُكرهاً على ذلك بفعل ثورات الشعوب عليهم، ولم تر منهم تلك الشعوب سوى القتل والدمار والاستعباد ونهب موارد بلدانهم وثرواتها ولا زالوا يعانون من تبعات الحقبة الاستعمارية إلى اليوم والأمثلة على ذلك كثيرة. كانت إيران من أكثر تلك الدول التي أتت تحت وطأة الاستعمار طويلاً بمباركة من الشاه وأسرته وقد نهبها الاستعمار وعبث في قيمها وتراثها وكان يحرض الشاه على قمع الشعب وقواه الوطنية التحررية وقادوا انقلاباً مشيناً على حكومة الدكتور محمد مصدق، وبعد الانقلاب على الدكتور مصدق قوت شوكة الشاه فطغى وعلا في الأرض واستسلم كلياً للغرب ومخططاته، وانبرت قوى الشاه القمعية وفي مقدمتها السافاك سيئة السمعة والتاريخ في الإمعان بحملات البطش والاعتقالات والإعدامات بحق الشعب ولازال التاريخ يشهد على خطاب الشاه الذي قال فيه: "من لا يعجبه الأمر مكانه السجن أو يترك إيران إلى الأبد" وتركها هو إلى الأبد ذلك لأن الملك لله العزيز الكريم، واليوم يعيد التاريخ نفسه وبنفس الأساليب والأحداث والمواقف والغرب هو الغرب وقوى الطغيان والدكتاتورية هم أنفسهم مع اختلاف بسيط وهو نمو وعي الشعب وتحديد خياراته على الأرض وعزمه على عدم تكرار جرائم وهفوات الماضي والحاضر وكوارثهما. قامت ثورة عام 1979 ولم يرحب بها الغرب ونقصد (الغرب الاستعماري) بل رآها معادية له وأحلوا خميني وجنوده محل الشاه وجنوده خلف على نهج وسيرة السلف مع اختلاف ملابس السلطة والسلطان، وتم خداع الشعب وسرقة ثورته وتراكمت مصائبه ومحنه وازدادت ولا زالت ثورته ثورة عام 1979 قائمة حتى اليوم والساعة لتحقق ما لم تحققه على مدار حقبتين دكتاتوريتين، وبالطبع لن يروق للغرب (الاستعماري) أن يفقدوا مشروع الملالي الموافق لهم ولتوجهاتهم، وبالطبع سيعرقلون ذلك أو يبحثون عن بدائل، ومن البلاهة أن يضع الغرب الشعب الإيراني أمام خيارين ظالمين وهما إما القبول بالأمر الواقع أو أن يأتي أحدهم أو يفكر في إعادة حكم الشاه من جديد من خلال تنصيب ابنه على حكم البلاد ليعود الشاه ويتقاسم السلطة مع الملالي في تحالف رهيب للدكتاتورية والبؤس والطغيان، متناسين أو متغافلين عن دماء مئات الآلاف التي سالت بالباطل في سجون ومقاصل إعدامات وسجون وحروب كلا الطرفين الشاه والملالي ليصبح الشعب الإيراني والمنطقة على جحيم جديد لم يكن في الخيال ولا في الحسبان، ويدفع الغرب بخياراته فإما أن تقبلها وإما يتم اتهامك بالإرهاب لو صنعت خياراتك بيدك كأن يواجه الثوار الملالي سلاحاً في وجه السلاح ولا نستبعد أن يقوم الغرب باعتبار الثوار إرهابيين بدلاً من حرس الملالي المسمى بالحرس الثوري، ويبدو أن الغرب يفكر بطريقة المثل القائل "فلنرهم الموت ليقبلوا بالحمى" وكلا الخيارين موت وحمى وسوء ورجعية وتردٍ سيؤدي إلى مزيد من التردي على مستوى إيران والمنطقة. وهنا هل يعتقد الغرب (الاستعماري) أو من ينحى نحوهم بأن الشعب الإيراني سيقبل بما يخططون ويرسمون له بعد كل هذه التضحيات والانسجام الوطني بين كل مكونات الدولة الإيرانية من أقصاها إلى أقصاها وبعد كل هذا النضج الرؤية والشعار والتوجه المعلن برفض كلتا الدكتاتوريتين. الانقسام الحاصل في الرأي والرؤية بين الغرب الحر المتمسك بالقيم الديمقراطية والإنسانية من جهة وهم أكثرية، والغرب الاستعماري المساوم المتنفذ الذي لا يستمع لشعوبه ولا لقواه الشرعية من جهة أخرى فيما يتعلق بمستقبل إيران وشعبها ودول وشعوب المنطقة أمر متوقع وبديهي لكن البديهي الآخر الذي يجب أن يرضخ له الغرب أن ما مضى قد مضى ولن يعود وأن لغة فرض حاكم على شعب حر لغة تخلو الرشد والحكمة بل ومن العقل أيضاً، وطال الزمان أو قصر فإن ملالي طهران إن لم يسقطهم الشعب فسيسقطون لا محالة عاجلاً أم آجلاً بفعل التآكل الداخلي الحاصل في أوصالهم. * كاتب عراقي