نحن لا نتحدث عن دكتاتورية شاه إيران التي كانت تعتمد على الغرب وألقى بها الإيرانيين في مزبلة التاريخ، وإنما نحن نتحدث عن ديكتاتورية الملالي الحاكمين الحاليين لإيران، والذين يعتمدون على مغيثين غربيين يسعون دائما من أجل بقائهم، ويبدو الأمر غريبا بعض الشيء لكنه صحيح. لماذا؟ الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي "التربح" بالطبع، ولأنه إذا وقعت إيران في أيدي الشعب فسيكون الوضع مختلفاً، والحديث ليس حديث حول النفط ورأس المال المادي فقطإنما هو حديثٌ أوسع مما كان قائما حتى الآن وعندما يصل إلى مستوى الكمال سيأخذ العالم إلى الذروة معه! ضحايا رئيسيون لسياسة استرضاء الديكتاتور! تدرك الأنظمة الدكتاتورية بأن الحرية هي عامل تقدم وازدهار مجتمعِ أو شعب، ولذلك يمنعون "الحرية" منذ فجر بزوغها من أجل استعباد المجتمع والناس، وكانت لدى النظام الديكتاتوري الحاكم في إيران حيلاً أخرى لهذا الغرض ولازال، والطريقة التي تلبس بها تصدير الرجعية والأزمات والحرب خارج الحدود إلى قمع حريات المجتمع منذ 44 سنة من حكم ولاية الفقيه والترويج للحرب في الشرق الأوسط أو الحرب النفسية في أماكن بعيدة، إلى شيطنة المعارضين بشعارات مختلفة لكنها ذات هدف واحد. أسوأ جانب من جوانب المهادنة مع نظام ديكتاتور هو تأثيره على الحيز الجغرافي وعلى وجه التحديد على أهل الأرض التي يحكمها الديكتاتور، وهذا هو السبب في أن الجانب الأول وربما الأهم في أضرار المهادنة مع الديكتاتور هو أن يتم منح الديكتاتور "الوقت" اللازم للبقاء على قيد الحياة. ليس من قبيل الصدفة أنه في إيران وتحت سلطة حكم الملالي أن كان أول ضحايا سياسة الاسترضاء هما الشعب والمقاومة الإيرانية، ذلك لأن الاسترضاء كان العامل المساعد للديكتاتور على الدوام في معادلة التوازن بين الديكتاتور والشعب. الدور المدمر لاسترضاء الديكتاتور هناك إجماع عالمي على حقيقة أن سياسة الاسترضاء قد لعبت دورا خطيرا في بقاء واستمرارية الديكتاتورية في إيران، ولو لم تكن سياسة "الاسترضاء مع ديكتاتورية ولاية الفقيه" لكان الوضع في إيران والمنطقة والعالم مختلفا الآن، ولم يجد الإرهاب مكانا له في المجتمع المعاصر، ولن يعاني المجتمع من انعدام الأمن والاستقرار، ومن هذا المنطلق يُقال أن أصحاب سياسة الاسترضاء مع الديكتاتورية الإيرانية كانوا شركاء في كل جرائم ديكتاتورية ولاية الفقيه في إيران وخارج إيران. آثار استرضاء ومهادنة الملالي عندما ننظر إلى تاريخ إيران خلال ال 44 سنة الماضية نجد أن سجل "الاسترضاء مع الديكتاتور" كان مؤلما بشكل غريب، وقد عانى منه الشعب الإيراني كثيرا لأنه بالتوازي مع الجرائم وحملات النهب التي قامت بها الديكتاتورية الحاكمة بحق الشعب الإيراني، عملت أيادٍ أخرى من أجل مصالح الديكتاتور لجعل جراح الشعب الإيراني العميقة أكثر عمقا. في ظل سياسة الاسترضاء القائمة مع الديكتاتورية الحاكمة لإيران تم إسكات أصوات الناس المطالبين بحقوقهم، وقمع الانتفاضات الشعبية، وتم إعدام العشرات ومئات الآلاف من الإيرانيين أو تعذيبهم وإصابتهم وتشريدهم، وهم من الأرواح التي يمكن أن تخدم الشعب وتعمل على ازدهار المجتمع وتساعد المجتمع الإيراني في طريق التقدم والتعايش في المجتمع الدولي. لو لم تكن هناك سياسة مهادنة واسترضاء مع الدكتاتور، فهل يمكن غض البصر عن مجزرة الإبادة الجماعية لأكثر من 30 ألف سجين سياسي على يد الدكتاتورية الحاكمة في إيران. تلك المجزرة التي حدثت في أقل من شهرين؟ وهل كان بالإمكان عمليا منع تحويل "الإدانة اللفظية" 69 مرة في الأممالمتحدة إلى "إدانة عملية" لدكتاتورية ولاية الفقيه ومنع "إحالة قضية الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام الإيراني إلى "مجلس الأمن"؟ وهل كان بالإمكان إسكات وقمع انتفاضة 2009 أو 2019 وغض البصر عن دماء آلاف الشباب الممنتفضين، ما لم تكن هناك مهادنة واسترضاء؟ لو لم تكن هناك سياسة مهادنة واسترضاء مع الدكتاتور، فما الدافع الذي يدعو إلى التغاضي عن تدخلات دكتاتورية ولاية الفقيه في دول العالم؟ أو ما هي الأرضية الحالية التي تستند عليها الدكتاتورية الإيرانية في تشكيل وتسليح وتمويل الجماعات الإرهابية مثل حزب الله والحوثيين وقوات الحشد الشعبي العراقية وغيرها من الجماعات الإرهابية في دول المنطقة؟ لو لم تكن هناك سياسة مهادنة واسترضاء مع الدكتاتور فلماذا الاتفاق النووي؟ ولماذا طاولة المفاوضات ولماذا عشرين عاما من المحادثات اللامتناهية مع دكتاتورية ولاية الفقيه حول المشروع النووي؟ ولماذا التلاعب بمصير المجتمع الدولي وتقدم التنازلات للدكتاتور؟ ولماذا استمرار الدكتاتورية الارهابية الحاكمة لايران؟ ولماذا القبول ببيوت التجسس وغيرها من مراكز الدكتاتور الإرهابية في الدول؟ ولماذا توجد لوبيات النظام في أميركا؟ ولولا سياسة الاسترضاء هذه لكانت دكتاتورية ولاية الفقيه قد تغطت بسبعين كفنا حتى الآن، وكان العالم في وضع أفضل بكثير. *کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني