إن التطرف في أي فكرة مهما كانت إيجابية لا شك يؤدي إلى سقوطها في محظورات وأخطاء جمة، وقد تصبح مؤذية لأصحابها قبل غيرهم، ومن هذا التطرف هو الموجة اليسارية المتطرفة فيما يتعلق بالبيئة والمناخ، حتى تحول الأمر إلى محاربة أحد أساسيات النهضة الصناعية وهو الوقود الإحفوري، فرغم كل التقارير التي تتحدث عن خطورة ضعف الاستثمارات في مجال الطاقة التقليدية منذ سنوات، إلا أن الدفع تجاه إغلاق المصافي والتضييق على الشركات بل وإغلاق المفاعلات النووية تسارع، دون دراسة وبتهور غير مبرر، طلباً للتحول غير المدروس للطاقة النظيفة، لدرجة أن قرار إغلاق خط أنابيب «كيستون» الأميركي الكندي أُتخذ في اليوم الأول لرئاسة جو بايدن، مما سبب أزمة ديزل في الولاياتالمتحدة، أو كما هو قرار الحكومة الهولندية شراء 3000 مزرعة ثم إغلاقها، وذلك امتثالاً لقواعد الحفاظ على الطبيعة في الاتحاد الأوروبي، مما قد يُسبب نقصاً في سلات الغذاء المحلية، وعلى الجانب الآخر نشاهد تعدي مَن يسمون أنفسهم بنشطاء البيئة على الممتلكات العامة، وتخريب المعارض والأعمال الفنية، وإغلاق الطرقات وتعطيل مصالح الناس، قد بلغ التطرف حداً كبيراً حتى تحول هدف حماية البيئة إلى الإضرار بها، بل وتخريبها، بسبب تهور المنادين بها. فعلى سبيل المثال يتجاهل «البيئيون الجدد» الآثار المدمرة التي تحدثها بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، فبالإضافة إلى صعوبة التخلص منها، أيضاً استخراجها مكلف للغاية، فللحصول على 11 كيلوجرام من الليثيوم النقي اللازم لتصنيع بطارية واحدة للسيارات الكهربائية يتطلب ذلك استخراج نحو 11 طنا من المحاليل الملحية، وعلى مستوى مولدات الطاقة النظيفة، فإن 1 طن من المعادن النادرة ينتج 1 طن من النفايات المشعة، حيث تتطلب صناعة توربينات الرياح كمية كبيرة من المعادن النادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، بمعنى أن صناعة الرياح الأميركية ربما أنتجت نفايات مشعة أكثر مما أنتجت صناعتها النووية بأكملها، وكل هذه العمليات تستلزم كميات كبيرة من الوقود الأحفوري الذي تتم محاربته لتشغيل المعدات والنقل والصناعة، ناهيك عن الأثر الذي يحدث على المعالم الطبيعية. كما أنه على مستوى المصادر الطبيعية، لا يوجد ما يكفي من المناجم العاملة حالياً أو المخطط لإنشائها لاستخراج مواد أساسية في الصناعات الخضراء لاستبدال الوقود الأحفوري، فلتحقيق مستهدفات الطاقة الخضراء في العشر سنوات القادمة في التحول إلى السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة وغيرها تحتاج إلى 180 منجما جديدا بتكلفة 450 مليار دولار، مع العلم أن المنجم الواحد يستغرق استكشافه وتأهيله بالمتوسط 17 عاماً! اليوم ربما الحرب في أوكرانيا قد أفاقت هؤلاء المتنطعين من تهورهم، فالآن يتم توليد ثلث الطاقة الكهربائية في ألمانيا من الفحم بعد تخليها عن الغاز الروسي، وأعادت فرنسا العمل بمفاعلاتها النووية، وأدى الشتاء القارس إلى تراجع العديد من الحكومات وتأجيل خططها المتهورة في التحول إلى الطاقة الخضراء، وبقي ثُلة يستخدمون الغراء «النفطي» ليلصقوا أيديهم احتجاجاً على «النفط».