أحقاً ما نسمعه من خلاف إعلامي بين ملالي طهران والغرب المسترضي والمساوم مع نظام طهران! هل الغرب بمؤسساته الدولية صادق وشفاف فيما يتعلق بالقيم والقوانين الدولية الإنسانية وغيرها؟ ما الذي يمنع الغرب من احترام مُثله وقيمه وقوانينه وتشريعاته طيلة هذه العقود عندما يتعلق الأمر بنظام الملالي الذي خرج عن صفة الخروج نفسها؟ لماذا التغاضي عن جرائم نظام الملالي التي تحتاج إلى وصف أدق وأقسى من أنها انتهاكات صارخة للمعايير والقوانين الدولية؟ ما معنى التضييق على نظام الملالي في جانب؛ وتوفير بحبوحة رحبة شاسعة له في العراق وجعله متنفسا سياسيا واقتصاديا وأمنيا له وهدمه اليوم اقتصاديا هدما كليا، وبيع غلمان أحداث رقيقا في السجون العراقية ونقلهم إلى فنادق ليستمتع بهم متنفذون في السلطة العراقية؟! وكل ذلك من قبل سلطة يديرها الملالي ويرعاها الغرب ومؤسساته، وآخر المصائب حرب العملات في العراق الذي سيسقط بقايا العراق تماما عما قريب؟ ما معنى أن تكون سلطة الميليشيات الحاكمة في العراق إرهابية ودموية وفاسدة وغير شرعية بتقييم الأممالمتحدة ثم مساعدتها للعودة إلى السلطة من جديد ورعاية مؤتمرها (مؤتمر بغداد 2 في الأردن)؟ ما معنى أن يتساقط المواطنون الإيرانيون العزل المتظاهرون واحدا تلو الآخر ويعدمون واحدا تلو الآخر وتعج السجون بعشرات الآلاف منهم، وتغتال فتيات وكذلك فتيان في الشوارع والأزقة ولم يبدر من الغرب إلا مواقف مترددة وبعضها غير رسمي، وفي ذاته يعيدون سلطة موالية لنظام طهران في العراق؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ وما الذي يدفع الغرب إلى ذلك مع العلم أن الملالي يساعدون روسيا عسكريا في حربها ضد المعسكر الغربي، ويتجرأ الغرب على روسيا ولا يتجرأ نظام الملالي حليف روسيا والصين والمختلف معهم فكريا كما يظهره الإعلام وما خفي أعظم؟ قد نطرح الكثير من الأسئلة التي تدور في خلد الكثيرين منا، وقد نعرف أجوبة بعضها وهنا يكون لا داعي لطرح السؤال. لكننا نطرحها معا لنقرأ الواقع معا وبدقة، ونرى كيف ينظر لنا الآخر؟ وكيف يتعامل معنا؟ وكيف يغلب على طبعه المناورة؟، وكذلك لنسعى إلى إيجاد أجوبةٍ إن لم تكن صائبة فلتكن على قدر مقبول من الرشد والصواب، وليعلم من لا يكون معنا على خط الفكر الذي أسسه هو لذاته أولا أن الشعوب ليست غافلة وأن الاستخفاف بأرواحها ومقدراتها جرم لا يغتفر وعار على البشرية جمعاء ففيها من شارك بالجرم وفيها من تستر عليه. قد يكون الغرب محقا في بعض رؤاه لكنه أجرم في الكثير من القضايا، ومنها أن يعلن نفسه صديقا لدول الشرق الأوسط ويريد إقامة علاقات مصالح ثابتة معه وفي نفس الوقت يدعم أعداءه وخصومه وفق ما يرتئيه ويرسم له ويفرض في هذا الاتجاه صواب ما يراه حتى ولو كان خاطئا بمبدأ اللا خيار. "تريد غزالا لك أرنب، تريد أرنبا لك أرنب". هذا ما دأب الغرب عليه مع دول وشعوب المنطقة، وفي حقبتي الشاه العلماني والشاه الديني خضعت المنطقة لمشاريع دمار وابتزاز شديدين جعل ثروات ومقدرات وإرادة دول المنطقة تحت تصرف الغرب وبكل سهولة ويسر ولولا أن ثورة عام 1979 في إيران كانت أكبر وأقوى من توقعات الغرب لبقي نظام الشاه بهلوي قائما حتى اليوم وما اضطر الغرب إلى تمكين حفنة من الملالي الصعاليك ليكونوا خلفاء للشاه ولكن بثوب الدين والمذهبية لإهلاك المنطقة ووضعها في أزمات يسهل من خلالها ترويضها وإخضاعها، أي أن الملالي هم شرطي الغرب الذي خلف الشاه على مقعده ويستميتون اليوم على هذا المقعد ومقعد العراق وفي الحالتين خدمة مباشرة للغرب ولذلك يغض الغرب بصره ولا يكترث بمن يموت في إيرانوالعراق لطالما المكاسب محققة والمصالح مضمونة. كان الوضع في العراق مختلفا تماما قبل أقل من سنة حيث حالة من عدم الرضا التام عما هو عليه الحال، حيث كان غالبية النفط الإيرانيوالعراقي تحت السيطرة الإيرانية الصينية الروسية، ونفوذ وهيمنة صينية في العراق على مستوى شركات أمنية وتقنية وغيرها، الآن حال من الرضا التام بعد كيل كبير من الاتهامات بالفساد والإرهاب لسلطة الميليشيات بالعراق! إنه لأمر عُجاب! تُرى ماذا وقع وماذا حدث وماذا قدم الملالي وذيولهم الإمعات داخل السلطة في العراق، هل قدم الملالي وسلطة الميليشيات في العراق تنازلات سياسية ونفطية واقتصادية لصالح الغرب خاصة بعد أن رأوا حجم النفوذ الصيني الروسي الإيرانيبالعراق؟ ماذا حدث وبالمقابل تغاضوا عن دماء الإيرانيين الأبرياء العزل التي تراق في الشوارع والسجون كما تغاضوا عن سكان مخيم أشرف التي أُريقت أمام أعينهم نهارا جهارا في العراق وعدة مرات! تختلف هذه المرحلة عن سابقاتها وتختلف القراءات كما تختلف المعطيات، لذا فعلى الغرب أن يعلم بأن المعطيات القائمة معطيات تخلق معادلات جديدة ونمطا جديدا من العلاقات الدولية والخيارات الإقليمية، وأن سياساتهم باتت قديمة ومقروءة منذ زمن بعيد لكنها اليوم باتت أكثر وضوحا للغالبية العظمى، وأن خسائر الشعب وكوارثهم بسببهم بلغت حدا لم تعد فيه الناس تكترث لأي خسائر أخرى وعليه فإنه لو قامت الشعوب في إيران أو في العراق بهدم المعبد الذي أقمتموه وشيدتموه وعظمتموه لمصالحكم على من فيه عاجلا أو آجلا ستكونون أكبر خاسر في المنطقة، وعليه أزيحوا بكتيريا السلطة هذه التي فرضتموها على الإيرانيينوالعراقيين ليس فضلا ولا منة منكم وإنما إصلاحا لأخطائكم، وقد أعجبني قول الرئيس الأوكراني بغض النظر عمن يكون عندما قال في الكونغرس الأميركي: "مساعداتكم ليست صدقة ولا منة" بمعنى أنها واجبة عليكم. شعوبنا لا تنتظر شيئا إيجابيا منكم لكنها تُلزمكم بإصلاح ما أتلفتموه إن لم تُلزِموا أنفسكم بذلك؛ وستبقى دولنا وشعوبنا دعاة خير وسلام كما كانت على الدوام والتاريخ وأحداثه على ذلك شهود. لقد تغير الزمن وتغيرت المعادلات وقد حان الآن المراجعات ومن دون مؤامرات. *كاتب عراقي