أكد مختصون في مجال تنمية المدن والاهتمام بالإنسان والمكان أن "جائزة الأمير عبدالعزيز بن عياف لأنسنة المدن" التي أطلقتها جامعة الملك سعود ممثلة في كلية العمارة والتخطيط بهدف تشجيع الباحثين الأكاديميين وتحفيز طلاب وطالبات البكالوريوس والدراسات العليا لإنجاز بحوث علمية وابتكار تصاميم ومخططات تتناول موضوع أنسنة المدن أو أحيائها السكنية أو فراغاتها العمرانيَّة العامة، كذلك الدراسات حول السياسات العمرانيَّة وانعكاساتها على أنسنة مدينة الرياض والمدن السعوديَّة ومراحل تطورها، أنها جاءت لتأصيل مفهوم الأنسنة والارتقاء بالمكان وتنمية الإنسان من خلال البحث العلمي المعتمد على الأدلة والبراهين بدلا من الاستيراد الحرفي لنماذج مدن مؤنسنة في سياق غربي دون مواءمتها مع خصائص المجتمع المحلي. وقال ل"الرياض" المهندس عبدالرحمن بن أحمد الصايل باحث في الدكتوراه في تنمية المدن إنه وقبل أن نتحدث عن الجائزة دعونا نقف مع تعريف الجائزة ل «أَنْسَنة المدن»، وهو "تعزيز البعد الإنساني في المدن وتُمثِّل التحوُّل من سلبية المكان الصامت إلى إيجابية المكان المتفاعل الذي تنتُج فاعليَّته من تشكُّله لنسيجٍ عمراني ييسِّر للإنسان صُنع مسيرته الشخصيَّة، ويحقِّق للجماعة تشكيل هويَّتها الاجتماعيَّة"، يصنّف التعريف انعكاس المكان على تفاعل الإنسان إلى قسمين إيجابي وسلبي، ومعنى ذلك أن المدينة قد تؤثر سلبا على الإنسان إذا لم تكن صديقة له ولم يشعر بتلك الصداقة، ويصف التعريف ذلك بشكل بليغ بأن تكون العلاقة بين الإنسان والمكان صامتة، ومن ناحية أخرى، يوضّح التعريف كيف نؤنسن مدننا بشكل إيجابي وفاعل من خلال تشكيل نسيج المدينة لاحتواء الإنسان بكافة أطواره ومراحل حياته والارتقاء به والمساهمة في نموه الشخصي، وهذا الاحتفاء بالإنسان وتنميته من خلال مشاريع المدينة وبرامجها وسياساتها ينعكس إيجابا على دوره الفاعل في مجتمعه ومحيطه، فتكون المحصلة مجتمع متماسك ومدينة شعارها الارتقاء بالمكان وتنمية الإنسان. ويكمل المهندس الصايل حديثه بطرح سؤاله (لماذا جائزة خاصة لأنسنة المدن؟) ليجيب أنه قبل سنوات لم يكن لفظ الأنسنة معروفا، وبعد تحويل اللفظ إلى مشاريع حضرية منجزة من قبل إدارات المدن السعودية ابتداء من الرياض إبّان تولّي سمو الأمير عبدالعزيز بن عيّاف أمانة منطقة الرياض أصبح المفهوم أكثر شيوعا وتداولا، بل وتنامت عاطفة المجتمع والمسؤولين نحو هذا المصطلح نتيجة تنامي تحديات المدينة المعاصرة إلّا أنه لا يزال البعض يجتزئ المفهوم في سياقات محددة كتوسيع الرصيف، وإضافة مواقف للمعوقين، وزيادة الرقعة الخضراء، رغم أهمية هذه التدخلات إلّا أن مفهوم الأنسنة كما أسلفنا أشمل وأعم من محاربة السيارة الخاصة وإضافة مسار للدراجات، كما أن أنسنة المدينة الكبيرة تختلف عن أنسنة المدينة الصغيرة، وأنسنة المدينة الصناعية أو المدينة الدينية أو التراثية وغيرها من المدن التي تختلف حاجات الإنسان فيها. ومن هنا تأتي أهمية الجائزة التي جاءت لتوثيق وتقيّم تجربة المدينة السعودية في مسارها نحو الأنسنة وتحليلها وقياس أدائها واستخلاص الدروس منها، وتأصيل المفهوم وجعله أكثر قدرة على الصمود أمام التحديات التي رافقت رحلة مشاريع الأنسنة، كما تأتي الجائزة في هذا الوقت المثالي لاستيعاب هذا الإقبال والاهتمام من المسؤولين والسكان نحو شعار الأنسنة وتوجيه هذا الحماس من خلال البحث العلمي المعتمد على الأدلة والبراهين بدل الاستيراد الحرفي لنماذج مدن مؤنسنة في سياق غربي دون مواءمتها مع خصائص المجتمع المحلي. من جانبه، اتفق المهندس سويلم بن صالح السويلم ماجستير علوم هندسية والمتخصص في بناء وتطوير المدن مع طرح المهندس الصايل ليشير إلى أن مفهوم الأنسنة بات علما وبحثا يتطلب توجيه بوصلة البحث العلمي نحوه، فنحن نشهد خطوات متسارعة للارتقاء بمستوى ومصطلح أنسنة المدن ليس فقط في العاصمة الرياض والتي انطلق منها ولادة أول مشاريع الأنسنة والمتمثل في تعزيز أهمية الإنسان والمكان وإنما في كافة مدن المملكة ومحافظاتها وإضافة أسلوب جديد لإنسان المدن عبر الاهتمام بالمكان ولذا كان من شروط الجائزة التركيز على المجالات البحثية والمشاريع التي تناقش أنسنة المدن وتدرس القرارات والمبادرات التي تطور المدينة السعودية وتحولها من فراغ تهيمن عليه الأليات إلى فراغ يستجيب لاحتياجات الإنسان ويحقق رضا مستخدميه ويرفع من جودة الحياة تماشيا مع رؤية الممملكة 2030. ويعود مجددا المهندس الصايل ليشير إلى أن جمعية التخطيط الملكية البريطانية تنشر كل ثلاث سنوات الموضوعات الملحّة التي يجب أن يأخذها الباحثون وطلاب التخطيط في الاعتبار لسد الفجوة بين البحث والممارسة لذا فإن جائزة الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف لأنسنة المدن تأتي في هذا السياق لتوجيه بوصلة البحث العلمي لسد الفجوة بين ممارسات الأنسنة وتطبيقاتها حتى لا يتم إساءة استخدامها كأغراض ترويجية دون إحداث أثر تنموي حقيقي للإنسان والمكان، كما تأتي الجائزة من خلال أربعة فروع لتشمل الباحثين والأساتذة والطلبة في التعليم العالي في كافة مراحلهم لإنجاز بحوث علمية وابتكار تصاميم ومخططات تتناول موضوع أنسنة المدن أو أحيائها السكنية أو فراغاتها العمرانيَّة العامة، كذلك الدراسات حول السياسات العمرانيَّة وانعكاساتها على أنسنة مدينة الرياض والمدن السعوديَّة ومراحل تطورها. واختتم المهندس الصايل والمهندس السويلم حديثهما حول الرؤية الطموحة للملكة التي تؤكد في برامجها على المشاركة المجتمعية وتفعيل الحوار الإيجابي بين قطاعات المجتمع ومكوناته، فإن هذه الجائزة تسعى للاصطفاف مع المواطن "الباحث" وإثارة أفكاره واستعادة ثقته ورضاه ومشاركته الإيجابية وفتح فرصة للباحثين للمساهمة مع إدارة المدينة بالارتقاء بجودة الحياة ونمط المعيشة ومواجهة تحديات المدينة المعاصرة. لذلك أرى هذه الجائزة فرصة حقيقية لإعادة جسور التواصل المنقطعة بين البحث العلمي والممارسة العملية من أجل هدف نبيل يتمثل في تعزيز البعد الإنساني في المدن والتحوُّل من سلبية المكان الصامت إلى إيجابية المكان المتفاعل. م. سويلم السويلم م. عبدالرحمن الصايل