روائي شاب يسافر بحثًا عن أبطاله، ويعيش الكتابة كهاجسٍ يراه حافزه الدائم ليحكي ويروي عبر أوراقه وسطوره ما يشعر أنه وجه الواقع الآخر، وحديث النفس المتجلي. يكتب بلغة سردية جميلة وراقية، ويترافع عن أبطاله حتى بعد تحولهم إلى ورق روائي؛ إنه كاتب جاد وطامح لأن يصل بسرده إلى حيث اللا انقطاع. أكرم حوباني روائي حصدت روايته الأولى الصادرة عن تشكيل «تغريبة آدم» جائزة جازان للتفوق والإبداع بمجال الرواية بدورتها 2018م، وقد كان «للرياض» معه هذا الحوار: * يقال بأن جازان ولاّدة ومكتظة بالمبدعين، شعراء ورواة، ومؤرخين وفنانين.. فإلى ماذا يعزي حوباني هذا التفوق المتفق عليه بالإجماع؟ * لاشك أن شخصية الإنسان الجازاني تتفرّد بهوية ثقافية تميزه في فنه ونصّه وإمكاناته؛ الأرض ذاتها ايضاً هي التي أنبتت لأجيالها أساطير وقصصا أثمرت لنا فنوناً وثقافة يتفرد بها أبناء المنطقة، ما يجعل من هذا الجيل أمام ثقل من المسؤولية الثقافية والتاريخية تحتّم عليه أن يدرك موروثه باعتزاز ويضيف إليه بعناية. * روايتكم «تغربية آدم» توهجت وقطفت جائزة جازان للتفوق والإبداع بدورتها 2018م، في مجال الرواية.. واليوم وبعد كل هذه السنوات هل ما يزال مذاق الجائزة يحفزك؟ * بلا شك أن تكريم جازان لشخصي يعني الكثير وخصوصاً وأنه جاء في بداية الطريق، فقد وجدت حفاوة الأم على نجاح ابنها، وفخر البيئة المحببة إلى قلبي التي لطالما ظللت أقدم الامتنان والعرفان على هذه الحفاوة التي لم أصل لما يفيها، ما جعلني أعتقد أن الوصول إلى الوفاء لجازان قد يكون من باب رعايتنا واهتمامنا بما تركته لنا من موروث وفن وأدب يجعلنا نختال به بين الأمم. * برأيكم هل نحن بحاجة إلى جائزة سعودية مختصة بمجال الرواية فقط، وهل استطاع «حوباني» إعادة «آدم» من تغريبته؟ * بالطبع ينبغي بل لابد أن يكون للرواية السعودية احتفاء خاص، ودوري يتم من خلاله تكريم الروائي المتميز بجنس الرواية، والتعريف به وبمحتواه وعلى العالم أن يتعرف على أدب وثقافة كوادرنا. أما عن آدم فعودته حدثت بالفعل، ولكنها لم تكن العودة التي قد تخيلها في كل ليلة كان فيها غريباً في بلدٍ بعيد، حيث ظل القدر يميزه عن غيره حتى في نزع أثمن ما وهبته الظروف، إلى أن رتّبت له الصدف أغرب مفاجآتها فحققت له أعجوبة أن يتجاوران حوله الماضي مع الحاضر تحت سقفٍ واحد. «يظل الهروب منطقة آمنة يدفن فيها المرء أوجاع السنين...» مقطع رائع من» وجوه لا نارها» وسؤالي: كيف استطعتم تعميق العلاقة بين زمنية الوجوه وأمكنة رؤيتها بهذا المنجز الإبداعي؟ أتذكر هذا النص جيداً، كنت حينها أشعر أن لكل مرحلة أوجهها، ولكل زمن وجوهًا قد تستمر حولنا وقد تتلاشى بفعل القدر، فقد ظللت أقيس علاقة الوجوه مع السنين وأحاول الربط بين أريحية الوجوه وغلظة السنين في تهيئة سبل الهروب وإخفاء زيفها وجعلها وكأنها منطقة مجهّزة للنسيان خالية من الحرمان ولا وجود للأحزان. * الرواية مشروع هام لا يمكننا الحكم عليه بالانتهاء حتى وإن توقف الروائي عن كتابة الروايات.. هل تتفقون معي؟ * نعم، وببساطة سيكون من المحال الحكم بانتهاء صلاحية الكاتب الذي استطاع أن يعمّر في ذهن قارئه مشهداً عميقاً يظل مشيداً يتواراه كلما حقق له الواقع طرفاً من قصته وترك بصمةً أبديةً في ذاكرته. * متى يمكننا تسمية أعمال الروائي مشروًعا؟ * رغم رأيي الثابت بأن الرواية عملاً أدبياً وفنياً خالصاً قائماً بذاته، إلا أنني أرى أنه إن لامست الرواية بعقدتها وفصولها جسد الواقع واستطاعت أن تستفز رأي الشارع وتجعله في دائرة النقاش من دون قصد، حينها قد نجد أن الرواية باتت مشروعاً قد يعالج أو يفاقم ظاهرة معينة بتصعيدها وتجسيدها بأسماء وشخوص ومشاهد.