القصة القصيرة من الأجناس الأدبية كالشعر والرواية وغيرها، وللقصة القصيرة كتّابها ولها قراؤها، وعلى الجانب الآخر لها نقادها وهم كثر، فهل أنصف النقاد القصة القصيرة كباقي الأجناس الأدبية؟، وحول هذا التساؤل تحدث عدد من المهتمين بهذا الجانب الأدبي. القارئ النخبوي في البداية يشير أ. محمد ربيع الغامدي كاتب وقاص قائلا: الناقد - في حدود فهمي - ليس قاضيا وليس حكما يظلم وينصف، الناقد هو قارئ نخبوي يعيد قراءة النصوص وفق منطلقات يتداولها النخبة، سواء كانت منطلقات علمية أم منطلقات انطباعية، يعيد قراءة النص سبرا لأغواره وإشهارا لألعابه اللغوية والفكرية، واستخلاصا لتقنياته الكتابية التي ربما جاءت جديدة على الناقد نفسه، وربما جاءت بغير قصد من الكاتب أيضا. ويرى أن النقد قراءة فاحصة للنص، تبحث في ثناياه عن قوانين كتابية، وتبحث في فضاءاته عن مفاتيح ومداخل آمنة لفك الضغط (كما يحدث في فتح الملفات المضغوطة)، قراءة تبحث في النص الماثل كما هو لا كما ينبغي أن يكون، تبحث في مفاتنه المتعددة وفي مباهجه المختلفة ويبقى النص ملكا لكاتبه. ويضيف الغامدي: الناقد ليس حكما وليس قاضيا ليظلم النص أو ينصفه. أما إن كان الانصاف المعني هنا هو مقدار ما تناله القصة القصيرة من القراءات النقدية فإنه مقدار ضئيل مقابل نصيب الرواية مثلا أو الشعر. وهذا يعود إلى طبيعة النصوص القصصية، فهي سرديات قصيرة النفس لا تمنح الناقد فرصة للقراءة ذات الطيف الواسع كما تمنحه الرواية. الفنون السردية ويقول الدكتور حسن النعمي ناقد وكاتب: إن القصة القصيرة عاشت في فترة ازدهار في فترة الثمانينات الميلادية كانت هي النص الأعلى حضورا بالنسبة للفنون السردية الأخرى كالرواية والقصة القصيره جداً، وفي تلك المرحلة وجدت العناية الكبيرة من النقاد ومن القراء من المؤسسات الثقافية في الأندية الأدبية من حيث عقد الأمسيات الثقافية القصصية إلى كثير من القصاص، واهتم بها النقاد وأفردوا لها صفحات كبيرة من التعليقات خاصة في الملاحق الثقافية، هذا فعلا كان مشهود، وهناك أيضا دراسات نشرت في كتب وبحوث فترة الثمانينات كانت فترة ذهبية من حيث الاهتمام بالقصة القصيرة، في عام 1995 حصل تحول جذري في علاقة القصة القصيرة بالواقع الثقافي بسبب قدوم الرواية للمشهد الثقافي بزخم قوي جداً في عام 94 - 1995، كتب القصيبي وتركي الحمد وعبده خال رواياتهم فشكلت منعطف تلك المرحلة وتنامى حضور الرواية والاهتمام بها ومتابعتها من القراء والنقاد مع استمرار القصة القصيرة، ولكن الاهتمام أصبح منصبا أكبر على الرواية فعقدت لها كثير من الملتقيات مثل ملتقى قراءة النص في جدة، وجماعة حوار أيضا في نادي جدة الأدبي، وملتقى الباحة للرواية. وكثير من المؤسسات الثقافية ركزت أو ألقت الضوء على الرواية بشكل كبير جداً وهذا ربما يعود لأن الرواية كانت غائبه فيما سبق فحضورها كان حدث كبير جداً التفت إليه النقاد وأعطوه الكثير من المتابعة والتعليقات، وبعدها عام 2000 زاد التراكم الروائي وأصبح المنشور من الروايات أيضا بزخم كبير جداً واقتربت الرواية من القضايا ذات الحساسيه الاجتماعية، وكذلك حبب القراء إليها أكثر فأصبح ذات حضور أكبر. وتابع النعمي، إن ظهور وسائل التواصل الحديثة نشطت الفنون المكثفة القصيرة كالقصة القصيرة جداً والقصيدة والمقطوعات الشعرية وهي أصبحت الأنسب للنشر في وسائل التواصل الحديثة مثل التويتر والفيس بوك وغيرها، فأصبحت فعلا صفحات هذه الوسائل مستقبلة بشكل وزخم كبير جداً، القصة القصيرة لازالت موجودة والفنون قد تتوارى قليلا لكنها لا تختفي الآن في موجة دراسات أكاديمية في الجامعات رسائل ماجستير ودكتوراه تهتم بالرواية والقصة القصيرة بشكل خاص وأيضا بالقصة القصيرة جدا انتقال الاهتمام من المتابعة اليومية الصحفية الثقافية إلى مقر الجامعات من خلال تقديم الرسائل الجامعية وهي ربما أدوم وأبقى وأكثر عمقا فالقصة القصيرة هي بخير على أي حال ولكن مسألة الحضور والتواري هذه مسألة نسبية تأتي وتروح. القصة الكلاسيكية ويشارك عبدالهادي صالح - شاعر وباحث في العلوم الإنسانية - قائلا: طبعا هذا السؤال في الواقع يحمل كتّاب القصة مسؤولية تحديث التجربة القصصية لديهم، حتى يستطيع النقد أن يتحمس للكتابة عنها أعتقد أن اليوم القصة القصيرة عند بعض الكتاب تعيش في حالتها الكلاسيكية ولم تتجاوز هذه الكلاسيكية رغم أن اليوم الحياة مختلفة ومتطورة، وأعتقد أن بعض الكتاب وهم قليل كتبوا قصة حديثة قصة تعيش العصر وتقدم تفاصيل دقيقة في الحياة اليومية المعيشية، أما ما يخص الناقد فأعتقد أن النقد بشكل عام هو متخلف عن الحركة الإبداعية عموما وليس في القصة القصيرة، وأتوقع من النقاد أن يتحمسوا إذا وجدوا نصا قصصيا لافتا في لغته في أفكاره في طريقة معالجة القصة نفسها هذا الموضوع يتحمله القاصون أكثر من النقاد. الرواية والصدارة وتقول الدكتوره نجلاء مطري - عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية وآدابها جامعة جازان -: لم تعد القصة كما كانت عليه منذ بدايتها، بل واكبت تحولات العصر، وتمردت على كثير من فنيات القصص. صحيح أن الرواية تحتل الصدارة سواء على مستوى التأليف والنشر أو النقد، لكن كما للرواية روادها ونقادها، فللقصة كذلك، إذ إن القصة - كما قيل - إيديولوجيا الإنسان. لذلك لا يمكننا الجزم بأنّ نقاد القصة القصيرة لم ينصفوها، فالقصة ما زالت تحظى بالدرس والبحث من قبل النقاد العرب، فهاهي الملتقيات الأدبية والمؤتمرات في العالم العربي على وجه العموم، وفي الخليج على وجه الخصوص توليها دراسات خاصة ومستفيضة، وبتصفح مكتبات الجامعات العربية ودور النشر نلحظ العديد من الدراسات النقدية والبحوث العلمية تهتم بدراستها ودراسة فنياتها وآليات معالجتها. بل إن القصة تولي القارئ أولوية في إعادة إنتاج النص وتبين دلالاته، وهي بذلك تسهم في خلق الكثير من القراء والنقاد، مما يعني أنها مازالت موضع اهتمام من قبل النقاد. عمل إبداعي وتضيف القاصة كفى عسيري أن القصة تدخل في خطط النقاد بالشكل الذي يوازي الشعر والرواية ولذلك يتطلب وفرة المادة الأديبة بالجودة التي يمكن من خلالها الاختيار، بغض النظر عن الشكل الأدبي المتوافر: رواية أو قصة أو شعر. المعيار الحقيقي هي الجودة والجودة فقط، ولا أظن أن مسألة اختطاف الشعر والرواية للناقد ظاهرة واضحة للعيان، ولا تشكل كارثة تهوي بالقصة أو تقصيها. فما يتردد عن تأخر القصة عن الركب وعزوف الناقد عن الاشتغال عليها في مشاريعه النقدية يأتي الحراك المستمر في المؤتمرات والملتقيات ليثبت العكس. وعلى سبيل المثال: مؤتمر الهوية والأدب، الذي أقامه نادي أبها الأدبي في عام 2017، وقُدمت فيه أوراق نقدية لعدد كبير من النقاد في الوطن العربي تناولت السرد في عسير، وكان للقصة نصيب من هذه القراءات. كذلك بيت السرد في جمعية الثقافة والفنون بالدمام ملتقى القصة بالباحة. وفي الأيام الأخيرة من عام 2022 تابعنا جميعا ملتقى النقد والسرديات الذي نظمته مؤسسة (أدب) بدعم وتمكين من هيئة الأدب والنشر والترجمة، وقدمت فيه عدة قراءات نقدية لعدد من التجارب القصصية. يضاف إلى ذلك المنشورات من الكتب والبحوث والمقالات. هذا النشاط والحراك يبرهنان أن القصة تدخل في خطط النقاد بالشكل الذي يوازي الشعر والرواية. إذاً القصة هي الفن المدلل، واشتغال النقاد عليها مبهج ومنصف ومحرض على قولبتها في عدة أشكال بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا وبين الكلاسيكية والحديثة. د. حسن النعمي محمد الغامدي عبدالهادي صالح د. نجلاء مطري