بعد أن عانت الكثير من المنتخبات من الأخطاء التحكيمية في بطولات كأس العالم الماضية وفي جل البطولات والدوريات العالمية، خاصة في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا «والكارثة التحكيمية» التي شهدتها مباراة منتخَبي إنجلترا وألمانيا، حيث لم يحتسب الحكم هدفا لمهاجم إنجلترا فرانك لامبارد بعد أن تخطت الكرة خط المرمى بخمسين سنتيمترا «50سم»، عَرف التحكيم في مونديال قطر قفزة نوعية في هكذا مجال وتطور فيه التحكيم بالتكنولوجيا «ومشتقاتها»، وأضحى الجمهور الرياضي يعرف تقنية عين الصقر والتي تعرف بتقنية خط المرمى، وتقنية «الفار» أو ما يعرف بتقنية التحكيم بمساعدة الفيديو التي ابتكرت تحت إشراف الاتحاد الملكي الهولندي لكرة القدم في عام 2010، وكانت هذه التقنية محصورة في بعض الدوريات فقط مثل الدوري الهولندي، وبعد أن رفضها الاتحاد الدولي لكرة القدم في البداية، إلا أنه سرعان ما طورها، وأضيفت تقنية الفار رسميا إلى قوانين لعبة كرة القدم من قبل مجلس الاتحاد الدولي في عام 2018، ويبدو أن المقولة القائلة بأن كأس العالم بطولة لا يفوز بها من يستحقها بسبب الأخطاء التحكيمية والجزئيات الصغيرة، مقولة ولّت وتلاشت واضمحلت في مونديال قطر، ففي المونديال الماضي، مونديال العدل والتكنولوجيا والأمان والإنسانية لم يُظلم فيه أحد، وأخذ كل ذي حق حقه، مونديال أخذ فيه كل منتخب ومدرب ولاعب حقه، ومن الإضافات التي عرفها التحكيم في مونديال قطر، استخدام تقنية نصف آلية لمراقبة التسلل، وإضافة شريحة إلكترونية في الكرة، التقنيتان اللتان ستسمحان للحكام باتخاذ القرار الحاسم بطريقة أسرع وأدق، فالتقنية الأولى تعتمد على نظام ذكاء اصطناعي «إيه آي» يُرسل رسالة فورية إلى غرفة الفار عندما يكون اللاعب متسللا، وتتخذ القرار في نصف ثانية، أما الإضافة الثانية فهي في كرة الرحلة وهو الاسم الذي أطلق على الكرة الرسمية لمونديال قطر حيث تم تزويدها بشريحة إلكترونية ومستشعر وحدة القياس ليرسل كل بيانات حركة الكرة بدقة، نعم.. هما تقنيتان استعملتا لأول مرة في عالم الرياضة وفي مجال التحكيم، فبطولة كأس العالم قطر 2022 ليست بطولة استثنائية في موعدها وملاعبها ومرافقها فحسب بل هي بطولة استثنائية في مجال التحكيم أيضا، ولعل من أشهر الحالات التحكيمية التي شهدها مونديال «الحداثة»، الحالة التحكيمية في مباراة بلجيكاوكرواتيا، إذ ألغى حكم الساحة هدف منتخب كرواتيا بعد الاستعانة بتقنية التسلل، حيث ضُبط مهاجم كرواتيا متسللا بأطراف أصابعه فقط، أما الحالة الثانية فوقعت في مباراة المنتخبين البرتغالي والأوروغواياني، حيث طالب مهاجم البرتغال كريستيانو رونالدو باحتساب هدفه لأنه «ادّعى» لمسه للكرة إلا أن العودة إلى الشريحة التي زُودت بها كرة الرحلة فائقة التطور أَثبتت عدم لمسه للكرة نهائيا واحتسب الهدف لزميله برونو فيرنانديش، أما الحالة الأشهر والتي أثير عليها الجدل، فهي الحالة التحكيمية التي حدثت في مباراة الكمبيوتر الياباني والمنتخب الإسباني، وفي هذه الحالة استعان الحكم بتقنية عين الصقر أو ما يسمى بتقنية خط المرمى وهي تقنية تستخدم لتحديد عبور الكرة بكامل محيطها من عدمه بمساعدة الكاميرات، وأثبت حكام المباراة على أن الكرة لم تخرج بشكل كامل من على الخط، حيث إن جزءا بسيطا من الكرة بقي على الخط، واحتسب الهدف لليابانيين وبسببه أُقصي المنتخب الألماني، مرورا بالحالة التحكيمية «الختامية» وهي في الهدف الثالث للمنتخب الأرجنتيني في المباراة النهائية ضد المنتخب الفرنسي، فبعد وجود شبهة تسلل على المهاجم لاوتارو مارتيناز في لقطة هدف ميسي، إلا أن الحكم البولندي سيمون مارسينياك احتسب الهدف، بعد اتصالاته مع حكام الفار الذين استعانوا بالتقنية نصف الآلية لمراقبة التسلل، وبسببها حقق التانغو الأرجنتيني اللقب الثالث على حساب الزُرق، وأظهرت الشاشات كسر مدافع الديكة فاران للتسلل بنصف الميلمتر، بالإضافة إلى عشرات الأهداف الملغاة بدءاً بالمباراة الافتتاحية بين منتخَبيْ قطر والإكوادور والتي ألغى فيها الحكم هدفاً لفالنسيا مهاجم منتخب الإكوادور، وشهدنا أيضا التحكم في احتساب الوقت بدل الضائع ثانية بثانية، ووصلت بعض المباريات إلى إضافة 14 دقيقة كاملة كوقت بدل ضائع مثل مباراة منتخَبَيْ إيرانوإنجلترا، ففي مونديال قطر كل ثانية تضيع تضاف، أما الإضافة الأخرى وهي ليست بإضافة «تكنولوجية» هي إضافة العنصر النسوي إلى التحكيم في هذا المونديال، حيث دخل هذا المونديال إلى التاريخ من أوسع أبوابه، ودخلت مباراة منتخبَيْ كوستاريكا وألمانيا التاريخ، حيث شهدت المباراة أول طاقم تحكيم نسوي في تاريخ المونديال بقيادة كل من حكم الساحة الفرنسية ستيفاني فرابارت بمساعدة البرازيلية نويزا باك كمساعد أول والمكسيكية كارين دياز كمساعد ثانٍ، نعم.. لقد تجاوز التحكيم في مونديال قطر عثرات وظلم وبطش الماضي، فعهدٌ جديدٌ يشهده عالم التحكيم والبداية بمونديال العدل والأمان والتكنولوجيا والثقافة والإنسانية.. مونديال قطر فيفا 2022.