في منهج حياة النبي يوسف -عليه السلام- جميل الوجه والروح والقلب الذي مّر بمرحلة العبودية والفتن والسجن بالتعبير القرآني.. تظهر القيم الاجتماعية الأصيلة، والشيم التربوية الفضيلة في أروع معانيها السامية، فبعد أن مكنه الله تعالى وأصبح رجل دولة ووزير مالية قائما على خزائن الأرض في مصر ولقب بعزيز مصر وهو المنصب الذي يشبه مسمى منصب "رئيس الوزراء"..! وكان الرجل المؤهل الكامل الذي يجمع الفكر والتطبيق، ونور الوحي والعلم معا، وعلّمه الله الحكمة والإيمان فطبق المنهج الإسلامي الاقتصادي في مصر، كما طبق المنهج التربوي وعلم الناس الانضباط السلوكي والاجتماعي، وهذه القيم الأخلاقية لا تجتمع إلا في نبّي أوتي ملكات القيادة والإدارة وأخلاق النبوة الفاضلة، ومن هذه القيم الاجتماعية الإيجابية عفوه عن إخوته الذين حاولوا قتله وتسببوا في سجنه وغيابه عن أبيه سنوات عديدة قيل 40 سنة، وبعد أن أصاب الناس القحط والمجاعة أتوه صاغرين ومنكسرين من أرض فلسطين بعد أن عّم الجوع والفقر كل وجه الأرض، قال تعالى (وَجَاء إِخوةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيهِ فَعَرَفَهُموَهُم لَهُ مُنكِرُونَ). مع ذلك لم ينتقم منهم رغم إساءتهم إليه ليضرب أفضل مثال للمصالحة والتسامح والعفو عند المقدرة، والجميل في هذا (التسامح اليوسفي) أنه احترم مشاعر إخوته رغم ما فعلوا بعد أن عفا عنهم في قوله تعالى (أذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ). ولم يقل أخرجني من(الجُب) ويذكر حاله داخل ظلمة البئر وذلك لتمام وكمال عفوه عن إخوته ولم يذكر ذلك الذنب رغم مرارته وشناعته حتى لا يجرحهم ويخجلهم أمام أبيه، وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام، ورقي أخلاق النبوة في فن احترام المشاعر. كما تظهر هذه القصة الجميلة في سياق علم الاجتماع التربوي" التماس الأعذار للآخرين" والتماس الأعذار خلق الأنبياء والعلماء والكبار، ورغم الأحداث التأمرية التي مّر بها النبي يوسف عليه السلام في قصته مع إخوته، التمس العذر لهم في لحظات الصفاء والتسامح والنقاء والنبل في قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي). مبرراً أفعالهم بأنها نزغة شيطان حاولت إفساد رابطة الأخوة وهدم البناء الأسري، لكنها تلاشت في قلب كبير بعد أن سجل -عليه السلام- تفاصيل الجريمة ضد الشيطان وبرًأ أخوته، فما أروعها من مروءة وشيم أخلاقية فضيلة، والأجمل قيم التواضع التي تجلت في شخصية النبي يوسف عليه السلام الذي لم يذكر المنصب أو الكنية أو اللقب والاكتفاء بذكر اسمه خاليا من أي صفة في قوله تعالى (قَالُواْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخي). هكذا علمنا منهج سيدنا يوسف التربوي النبوي قيمة التواضع وهضم النفس وخفض الجناح وسلامة الصدر، خاصة مع الأقارب، حين قال يوسف لإخوته بعد أن عرفهم وعرُفوه: أنا يوسف وهذا أخي ولم يتعال عليهم بمنصبه الرفيع ومكانته الاجتماعية العالية، بل كان يرى -عليه السلام- أن الشرف في هذا الخلق الحميد (التواضع). ومن تواضع لله رفعه. ومضة: تعلمت من المدرسة اليوسفية: أن النبيل يعفو عند المقدرة، وأن الصفح أدب، وأن المسامح لا يكُسر من جاءه معتذراً. خالد الدوس