«دقيقة صمت على روح إمبامبي» كانت هي الأهزوجة التي تغنى بها لاعبو منتخب الأرجنتين فور عودتهم لغرفة ملابس ملعب لوسيل بعد فوزهم على المنتخب الفرنسي في مباراة ملحمية توجت النسخة الأفضل من كأس العالم. الأهزوجة التي طارت بها مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن وليدة اللحظة، بل رددها «راقصو التانغو» بعد كل مباراة يكسبونها، منذ الصفعة السعودية للمرشح الأول في مباراته الأولى، والتي كانت بمثابة الصدمة المعالجة لرفقاء ميسي، وعلقت جرس التنبه للخطأ الأكبر «عدم احترام الخصوم». نعم، عدم الاحترام كان القشة التي قصمت ظهر الظهور المثالي المرتقب لكتيبة سكالوني، وأكد عليه ميسي فور نهاية المباراة، ليعودوا وقد حملوا في دواخلهم تقديراً للخصوم في كافة المباريات، الأمر الذي غاب عن باقي المنتخبات العريقة والمرشحة للقب البطولة، حيث تفرغت ألمانيا لأجندة بعيدة عن «اللعب النظيف» ومخالفة لكل ما بني عليه كأس العالم؛ الجمع بين الشعوب لا التفريق، فخاضت غمار ألاعيب سياسية رمت بهم خارج البطولة مبكراً. عدم الاحترام لم يكن خاصاً بالمنتخبات التي حاولت تشويه كرنفال «قطر 2022م»، بل كان سمة في خطاب الإعلام الغربي، الذي سعى لاختلاق المشكلات بعد أن تعثر عن إيجادها، فمنذ الأيام الأولى وهم يتحدثون عن صعوبة استضافة الإمارة الصغيرة للأعداد المليونية المتوقعة للجماهير، قبل أن يثبت الواقع عكس ذلك، ليتفرغوا لانتقادات غريبة لا يصدقها عاقل، منها اتهام نيويورك تايمز الجماهير السعودية المترددة على قطر بزيادة التلوث البيئي وتحميل طائراتهم مسؤولية التغير المناخي! علاوة على التشكيك في الفوز السعودي على الأرجنتين عبر التلميح بارتباط ميسي بحملات الترويج للسياحة في المملكة. رفض الإعلام الغربي لتفوق الآخر جعلهم يستنقصون من مشاركة اللاعبين المغاربة مع منتخب بلدهم الأم بدلاً عن تمثيل الدول التي ولدوا وترعرعوا فيها، حيث انهمرت أسئلة الإعلاميين على «أسود الأطلس» بعد ظهورهم المشرف تتساءل عن الأموال التي دفعت لهم مقابل اللعب للمغرب! وحين كان الجواب صادماً لهم؛ اختارت عدة وسائل منها القناة الدنماركية الثانية تشبيه المشهد الحميمي لأمهات اللاعبين وأبنائهم في الملعب بالعلاقة بين القرود وذراريها، في مخالفة لكل قيم الإنسانية التي لا ينفك الإعلام الغربي نفسه عن تقديم المحاضرات حولها. المحاضرات ودعوات الإعلام الغربي حول احترام الآخر تلاشت تماماً عندماً كانت سحنة هذا الآخر مختلفة عن العرق الأبيض، كما حدث من اللاعب الإيرلندي والمحلل الرياضي روي كين حين استنقص من المنتخب البرازيلي وطريقتهم الراقصة في الفرح، ليرد عليه لاعب «راقصو السامبا» لوكاس باكيتا، معللاً بأن الرقص جزء من هوية بلاده والاحتفال الراقص للمنتخب لا يتجزأ عن ذلك منذ عرفت البرازيل كرة القدم. الجهل بالهوية للشعوب أو تجاهلها تجلى في هذا المونديال منذ البداية، حين رفضت قطر رفع شعارات دعم الشواذ في الملاعب، وانتهاء بتوشيح أمير قطر لاعب منتخب الأرجنتين «البشت» أثناء التتويج بالبطولة احتفاءً وتكريماً بمنجزه، تماماً كما فعل المكسيكيون مع بيليه 1970م حين ارتدى قبعة القش المكسيكية، وفعلت اليونان مع الفائزين بالأولمبياد 2004 حين قدمت لهم تيجانا من غصن الزيتون على الطريقة اليونانية، لكن الإعلام الغربي له رأي آخر، حيث امتلأت صفحات الصحف والمواقع بمواد كان عنوانها الأبرز «ميسي مجبور، مغصوب، لم يكن سعيداً بارتداء البشت!»، في حين أن الأسواق القطرية غصت بالأرجنتينيين الباحثين عن شراء أيقونة البطولة التي طال انتظارها؛ «بشت ميسي»، ويبدو أنهم لم يروا ما رآه غاري لينكر وغيره من الإعلاميين واللاعبين القدامى الذين تصدروا المشهد في القنوات والصحف الرياضية للتعليق على كأس العالم.. انتهت ساعات البطولة وبدأت دقائق الصمت حداداً على المهنية الإعلامية. تتويج أبطال دورة أثينا 2004 بغصن الزيتون طلحة الأنصاري