تعاظم التأثير السعودي على الخريطة السياسية العالمية التحالف مع أميركا مستمر والتنويع في مسار العلاقات حق سيادي حدثٌ تاريخي عالمي استراتيجي، شهدته المنطقة العربية بامتياز، وتابعه العالم شرقا وشمالا، وجنوبا وغربا عن كثب، خلال الأيام المنصرمة، وهو بكل المعايير، الأحدث والأهم والأبرز باقتدار لعام 2022. إنها القمم الثلاث السعودية الصينية، والخليجية الصينية والعربية الصينية، والتي استضافتها أرض القمم المملكة، والتي كثرت التحليلات الغربية والإقليمية بشأنها، وعكفت الدوائر السياسية العالمية الرسمية وشبه الرسمية، ومراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية على متابعة وتحليل ورصد مؤشرات ودلالات مخرجات هذه القمم الاستراتيجية التي هندسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحنكة وحكمة، والتي أرسلت رسائل سياسية واضحة، بحسب خبراء عرب وغربيين تحدثوا للرياض، بأن العرب يطرقون أبواب عالم متعدد الأقطاب وسيتسابقون نحو حقبة نهضوية عربية، تعظيما لكلمة سمو ولي العهد في القمة العربية الصينية في هذا الإطار، ويعضدون سياسة عدم التدخل، ويرسمون مسار الشراكة التنموية والاستثمار مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، والتي تعتبر المبادرة الاضخم في العالم. الحدث الأكبر عام 2022 الرياض في سلسلة حلقات تحاول استقراء المواقف الدولية بعد القمم الثلاث وتوجهات الدول الإقليمية والعالمية على ضوء مخرجات القمم الثلاثة التي غيرت معالم المشهد السياسي العالم، حيث رأى المحللون أن القمم الثلاثة تعد الحدث الأكثر بريقا خلال العام المنصرم وتنوعت بعض الآراء، حيث وصفتها أوساط عالمية، بأن القمم الثلاث تعتبر تغييرا شاملا في قواعد اللعبة الجيو - اقتصادية والسياسية ليس فقط للمنطقة فحسب؛ بل لخريطة المشهد السياسي العالمي الجديد. نجاح الدبلوماسية السعودية من هنا نجح صناع القرار في المملكة، دمج ثلاث قمم في واحدة، لتُضفي بعدا سياسيا واستراتيجيا على العلاقات الاقتصادية بين بكين والعالم العربي، وتُعزى مبادرة المملكة، بإقامة القمم الثلاث في الرياض، إلى حجم الروابط الاقتصادية العميقة بينهما، إذ تعتبر الصين أكبر مستهلك للنفط السعودي. وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر للسعودية. ميلاد لمنطقة تنموية نهضوية فيما رأت بعض القوى الغربية وتحديدا الاتحاد الأوروبي في مخرجات القمم الثلاث، أنها ميلاد لمنطقة تنموية نهضوية سعودية، خليجية عربية، في إطار المصالح المشتركة للصين مع دول المنطقة حيث تقود مبادرة الحزام والطريق الصينية المشهد التنموي والاستثماري والثقافي والمنفعة المتبادلة، مدعومة بسياسة إحلال الأمن والسلام، بعيدا عن الصراعات والحروب.. نهاية مرحلة الإملاءات وأشارت مصادر غربية مستقلة أن المنطقة ستدخل على المدى المتوسط، مرحلة الابتعاد عن الإملاءات والهيمنة والدخول في مرحلة التوازن الجيوستراتيجي، والعدالة السياسية من خلال النفوذ الصيني المبني على التنمية والاستثمار ورفاهية الشعوب والابتعاد عن الصراعات. التجاذبات السياسية بيد أن القوى المنافسة للقوى الصينية المتعاظمة اقتصاديا وسياسيا ترى في الحضور الصيني في المنطقة، هو دخول الصين في منطقة لا تخضع لنفوذها، كونها كانت بعيدة عن المنطقة سياسيا. وانكفأت على نفسها لعقود وتحاول مزاحمة الولاياتالمتحدة الأميركية، وفق الرواية الأميركية والتي أبرزتها كبريات الصحف الأميركية مثل وول ستريت وواشنطن بوست ونيويورك تايمز إلى بعض القنوات الأميركية مثل السي إن إن وفوكس من خلال تعليقات الخبراء والمراقبين الأميركيين. ابتعاد الغرب عن المنطقة إلا أنه في نفس السياق أكدت العديد من الصحف الأميركية أن السبب الرئيس في دخول الصين للمنطقة العربية، التي كانت تحت النفوذ الأميركي، أن الإدارة الأميركية الديمقراطية، تركت المنطقة وخرجت منها بدون تحقيق أي مخرجات إيجابية، وتركتها بحروبها ونزاعاتها تأكل بعضها. لا لتغيير التحالفات ويؤكد مراقبون خليجيون شاركوا في القمم الثلاث للرياض أن القمم التي استضافتها السعودية؛ لاتهدف لفتح أي جبهات مع الغرب أو تغيير تحالفاتها مع أميركا إطلاقا، بل هدفها تنويع الشراكات مع الشرق الأقرب للدول الخليجية والعربية مع استمرار الشركات مع الغرب. وهذا ما أكده سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر الصحفي في نهاية القمم الثلاث عندما قال "إن الشراكة مع الصين لا تستهدف نظيرتها مع الولاياتالمتحدة". الانفتاح على الجميع ورداً على سؤال عن إمكانية أن يكون توقيع الرياض شراكة مع الصين على حساب نظيرتها مع واشنطن، قال: "المملكة لا تتعامل بالمسارات الواحدة نحن نؤمن بحجم المملكة ولا بد أن نكون منفتحين في التعاون مع الجميع". وأكد أن "التعاون مع الصين الاقتصاد الثاني أساسي وضروري للتنمية، وهذا لا يعني أننا لا نسعى للتعاون مع الاقتصاد الأول (الولاياتالمتحدة) واقتصادات العالم، لا نؤمن بالاختيار بين طرفين ولا الدخول في استقطاب مشددا أن "الشراكة الاستراتيجية السعودية الصينية التي وقعت بينهما لها عوامل واعدة، وكذلك لنا شراكة استراتيجية مع الولاياتالمتحدة ومع دول أخرى كالهند واليابان وفرنسا وبريطانيا. وضع النقاط على الحروف وشدد أن "الحوار مع الصين ثاني أكبر اقتصاد بالعالم مسألة مهمة جدا"، ووضعت تصريحات سمو وزير الخارجية النقاط على الحروف، وأكدت المؤكد أن أهداف المملكة واضحة في استضافتها للقمم الثلاثة وأي اجتهادات في هذا الأمر لا يعنيها. 2030 وتنويع الشراكات ويركز سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنفيذ خطة التنويع الخاصة برؤية 2030 لفطم الاقتصاد عن النفط من خلال إنشاء صناعات جديدة، بما في ذلك تصنيع السيارات والأسلحة، وكذلك الخدمات اللوجيستية، ولهذا تستثمر الرياض بكثافة في البنية التحتية الجديدة والمشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم المعرفية التي تبلغ كلفتها 500 مليار دولار، وتأمل شركات البناء الصينية أن يكون لها نصيب فيها. توقعات بتغير السياسات الغربية ويؤكد محللون غربيون أن القوى الغربية ستعمد على تغيير سياساتها في المنطقة وإعادة تواجدها، بعد التموضع الصيني القوي الجديد، كونها أدركت مدى قوة التأثير السعودي وتعاظمه على الشرق الآسيوي وضخامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع الرئيس الصيني شي خلال زيارته مؤخرا للمملكة، ومكانتها الاستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي والثقل الاقتصادي في المنطقة والعالم ما يمنحها فرصة أن تكون البوابة الرئيسية لمد جسور التعاون مع الشرق كما الغرب. متغيرات جيو- ستراتيجية مقبلة ويعتقد المراقبون أن مرحلة تعدد الأقطاب الجديدة التي بدأت تظهر ملامحها عالميا مؤخرا، ستلغي الهيمنة تدريجيا، ولو بالحد الاقتصادي، وهو كفيل بإنهاء الهيمنة السياسية والعسكرية على المدى الطويل. ولادة نظام عالمي جديد واعتبروا أن القمم الثلاث عقدت في وقت يشهد فيه العالم تغيرات جيوستراتيجية، تمهد لولادة نظام عالمي جديد، وسيكون هذا العالم الجديد قائما على الأقوى اقتصاديا ونفطيا، وحتما عسكريا، مؤكدين أن المواصفات الاستراتيجية، تنطبق على الصين المنشغلة اقتصاديًا ورقميا وصناعيا وعسكريا، كونها، لم تنخرط بحروب ونزاعات، ولم تفتح جبهات ولا صراعات، واستثمرت في العقول الصينية، كما فعلت وتفعل القوى الغربية اليوم، التي أذكت الصراعات، وأنفقت على الميزانيات العسكرية بمليارات الدولارات وباعتها، لتعزيز الحروب في المنطقة، بينما انشغلت الصين في كل ما يعزز اقتصادها وصناعيا وتقنيا وثقافيا، مع بقائها على أهبة الاستعداد دفاعياً في حال تعرضت لهجوم ما، وخاصة من قبل الجارة تايوان التي جربت أميركا تحريضها على الصين. ولم يلتزم الرئيس الأميركي جو بايدن عندما قال في مؤتمر صحفي خلال زيارته السعودية الصيف الماضي، "إن الولاياتالمتحدة لا تنوي الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط وترك فراغ للصين، بل بالعكس تركت الإدارة الديمقراطية المنطقة بأزماتها تتكاثر، وتتقاذفها أمواج الصراعات الطائفية والظلامية. وللصين منزلة خاصة في المنطقة بين القوى العالمية، فهي الأقوى اقتصاديا بفارق كبير، والاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. وبحسب تقديرات الدوائر الإعلامية الألمانية فإن القمم الثلاثة تعتبر، معالم وشواهد تاريخية في تاريخ العلاقات الصينية – العربية والعلاقات الصينية – الخليجية والسعودية. وتشير الدوائر الألمانية إلى أن الصين أكبر مستهلك للنفط السعودي، وتعمل على تعزيز علاقاتها التجارية والسياسية مع منطقة تعتمد منذ فترة طويلة على الولاياتالمتحدة، لكنها أعربت في ذات الوقت عن مخاوفها من تراجع الوجود الأميركي في المنطقة والبيت الأبيض سارع في إبداء موقفه وكان هو أول من علق على زيارة الرئيس الصيني وحذر على حد زعمه من «النفوذ الذي تحاول الصين تنميته حول العالم». نقاط التوافق مع الصين وتتفق الدوائر السياسية العربية، على أن نقاط التوافق بين الدول العربية والخليجية والصين، تفوق نقاط التباين مع الولاياتالمتحدة وخاصة بالنسبة للقضايا العربية وتحديدا للقضية العربية المحورية وجوهر الصراع العربي الاسرائيلي وهي قضية القدس وفلسطين، كون واشنطن دعمت لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية. دعم لفلسطين والأزمة اليمنية وظهر ذلك جليا في البيانات الختامية للقمم الثلاث، فضلا دعم الصين بقوة لمجلس القيادة اليمني ومرجعيات الأزمة اليمنية، فضلا عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وسياسة الإملاءات والهيمنة ، إلى جانب دعم الصين للمواقف العربية داخل المحافل الدولية. مشاريع دون شروط خصوصا أن تقديم المساعدات، وطرح المشاريع النهضوية الصينية لدول المنطقة جاءت خالصة لتبادل المنفعة، دون شروط سياسية أو فرض إرادة، أو لوْي الأذرعة أو محاباة ودون سياسة الكيل بمكيالين. المتغيرات السياسية تحكم ويرى الدبلوماسي المصري، د. نعمان جلال، مساعد وزير الخارجية للتخطيط السياسي وسفير مصر سابقا لدى الصين في تصريحات إعلامية، أن القمم الثلاثية، رسمت توجها عربيا يتواءم مع حقيقة المتغيرات العالمية الراهنة باتجاه، نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهكذا فإن التوجه شرقا عربيا يحقق أهداف ومصالح الإقليم العربي، مؤكدا أن مواقف الصين دائما تلتقي والمواقف العربية بل وتدعم مصالحنا وقضايانا، وهي قوة سوف يرتكز عليها النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب. خطاب عربي يواكب المتغيرات وبالتالي فإن الخطاب السياسي العربي يتواكب مع المتغيرات العالمية دون انحياز أو الإذعان لطرف مهما كانت قوته وعلى هذه الخلفية ما فتئ الحضور الصيني يتوسع ويتمدد في كافة أرجاء العالم العربي، ويمنح مساعدات وقروضا مُيسرة، ويبني شراكات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع دول المنطقة، على حساب القوى التقليدية الغربية، في عالم متعدد الأقطاب وفي محيط متلاطم الأمواج ولادة حقبة عربية نهضوية تعاظم التأثير السعودي على الخريطة السياسية العالمية.