العالم يعاني من أزمات اقتصادية خانقة وارتفاع في معدلات التضخم وتباطؤ في نمو الاقتصادات وحالة من عدم اليقين نتيجة التطورات الجيوسياسية مع استمرار تشديد السياسات النقدية ومشكلات سلاسل الإمداد، على الجانب الآخر تنعم المملكة العربية السعودية بفضل الله ثم بفضل رؤية المملكة 2030 بمعدلات نمو اقتصادية هي الأعلى منذ سنوات عديدة، حيث تشير التوقعات إلى تحقيق الاقتصاد السعودي أسرع نمو اقتصادي هذا العام 2022 بمعدل 8.5 % حسب تقديرات وزارة المالية السعودية وأعتقد أن الرقم الفعلي قد يصل إلى 9 % وبالرغم من هذا النمو الكبير في الاقتصاد السعودي إلا أن الحكومة نجحت في السيطرة على معدل التضخم عند مستوى هو الأقل مقارنة مع الاقتصادات الكبرى، حيث سجل بنهاية شهر أكتوبر الماضي 3 %، وتشير توقعات وزارة المالية السعودية بأن المعدل في نهاية العام الحالي قد يتراجع إلى 2.6 % وهذه الأرقام لم تتحقق مصادفة بل كان وراءها عمل كبير وقرارات صائبة وتخطيط متقن، بيان الميزانية السعودية للعام 2023 الذي صدر في الأسبوع الماضي أشار إلى أن الاقتصاد السعودي سوف يواصل النمو بمعدل 3.1 % على أن يرتفع المعدل إلى 5.7 % في عام 2024 و4.5 % عام 2025، وبعد أن تجاوز حجم الاقتصاد السعودي 1 تريليون دولار لأول مرة هذا العام تشير التقديرات إلى مواصلة النمو حتى يصل إلى 1.13 تريلون دولار بنهاية عام 2025، أما تقديرات الإيرادات والنفقات في ميزانية 2023 فقد وضعت وزارة المالية ثلاثة سيناريوهات، السيناريو الأعلى يتوقع أن تصل الإيرادات إلى 1,292 مليار ريال وبالتالي تحقق الميزانية فائضا بحدود 178 مليار ريال، أما السيناريو المتحفظ يتوقع تحقيق إيرادات بحدود 1,029 مليار ريال وبالتالي العودة إلى تسجيل عجز في حدود 85 مليار ريال، أما السيناريو المعتمد لميزانية 2023 وهو الأقرب للتحقيق يتوقع إيرادات في حدود 1,130 مليار ريال وتحقيق فائض في حدود 16 مليار ريال، النفقات ثابتة في كافة السيناريوهات الثلاثة عند 1,114 مليار ريال وهي أقل بقليل من النفقات الفعلية في عام 2022 التي وصلت إلى 1,132 مليار ريال بعد أن كانت تقديرات ميزانية 2022 تشير إلى نفقات في حدود 1,045 وهذه الزيادة الكبيرة في الإيرادات دفعت الحكومة لزيادة الإنفاق على بعض برامج الرؤية ذات الجدوى الاقتصادية من أجل تسريع تنفيذها والاستفادة من زيادة الإيرادات غير النفطية خلال السنوات القادمة، وأظن أن هذا النهج سوف يستمر خلال السنوات القادمة إذا حققت الميزانية السعودية إيرادات أعلى من المتوقع في الموازنات التقديرية وهذا بالتأكيد يعظم الاستفادة من الإيرادات وتوجيهها باحترافية عالية إلى دعم الخطط المستقبلية للدولة، ميزانية 2022 متوقع أن تحقق فائضا بحدود 102 مليار ريال ولولا زيادة الإنفاق لتجاوز الفائض 279 مليار ريال، هنا نشير إلى إعداد الموازنات التقديرية السعودية التي أصبحت تتم وفق دراسات اقتصادية عميقة برؤية شاملة للمتغيرات العالمية ومدى تأثيرها على المالية العامة للدولة، حيث ظهرت جليا في تقديرات ميزانية عام 2022 التي توقعت تحقيق فائضا بحدود 90 مليار ريال وكانت مفاجئة للاقتصاديين آنذاك الذين كانوا يتوقعون تحقيق عجز وفي أحسن الأحوال ميزانية متوازنة استنادا إلى أسعار النفط التي كانت تتداول عند متوسط سعر في حدود 70 دولارا، ولذلك نجد اليوم عند تصفح بيان الميزانية كمية غير مسبوقة من البيانات التفصيلية التي تُطرح بكل شفافية ووضوح مع تحليل اقتصادي شامل للتطورات الاقتصادية العالمية ومعدلات نمو الاقتصادات الكبرى ودراسة أسواق النفط، وكذلك دراسة تطورات الاقتصاد المحلي ومعدلات التضخم والسيولة في النظام المصرفي وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومستجدات السوق المالية السعودية، في بيان الميزانية أصبحت أوجه الصرف والمشاريع المخطط تنفيذها في العام المالي متاحة وبالتفصيل، كذلك توضيح لأهم التحديات والمخاطر المالية والاقتصادية التي قد تؤثر على الميزانية، وهذه البيانات لا شك أنها مهمة للقطاع الخاص وتساهم في بناء استراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدي وتمكن الشركات للاستفادة من الفرص الواعدة، كما أنها تعطي مؤشرات واضحة للمنظمات الاقتصادية العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشركات التصنيف الائتماني والتي تصدر عنها التقارير الاقتصادية المالية والاقتصادية والتصنيف السيادي وهذه التقارير تلعب دورا مهما في جذب الاستثمارات الأجنبية ومنح التمويل بأقل التكاليف.