سفر جميل ورشيق في ثنايا رحاب الحرف الذي لا يخفت بريقه، يأتي بوجهه المشرق ليسعد القلوب بالجمال، فهناك العديد من الكُتُب ترى وأنت تغرق في بحر قراءتها ما بين المدِّ والجزر أن عنوان الكتاب كان معبراً تماماً عن مضمونه، يشعل جذوة الفكر، مبلوراً ما احتوت صفحاته وهذا الوصف ينطبق على كتاب: «الواقف في الشمس»، الصادر عام 2020م في طبعته الأولى، للدكتور علي بن عبدالعزيز الخضيري، صاحب السيرة العطرة في مجال الإعلام فقد عمِل مديراً لإذاعة القرآن الكريم، ووكيلاً في وزارتي الإعلام والتعليم، وعضواً في مجلس الشورى، ومستشاراً في مجلس الوزراء. وسطّر من خلال هذا الكتاب كفاح جيل الرواد في مجال الإعلام في وقفات مختصرة في حياته وذكرياته في طفولته وشبابه وكهولته، كتب فيها ما رآه مهماً أو جديداً أو جديراً بالتأمل أو محققاً لفائدة أو معلومة تاريخية في عهد بناء الدولة السعودية الفتيَّة الحديثة ونهضة الوطن وأمنه ورخائه وتطور الحياة الاجتماعية فيه. وهذه الوقفات كانت في حياة والديه رحمهما الله وأسرته وأصدقائه وعمله وتجربته في الحياة. اختار المؤلف لهذا الكتاب عنوان: «الواقف في الشمس» مدخلاً لوقفات قصيرة حقيقية ورمزاً من وقفات معنوية عديدة فيها من المعاناة والتعب ما كان زاداً ومطيَّة إلى النجاح في تخصصه وفنِّه، ثم إلى شهرة لم تصرفه عن الواقعية ولم تأخذه عن الزهد في بريقها. فكرة الكتاب لكل كتاب قصة، تبدأ من فكرة في مخيلة المؤلف حتى تنتهي، وعن فكرة الكتاب وسبب تسميته بهذا العنوان يقول المؤلف: «بلغ حنان أمي رحمها الله وعطفها عليّ أنها كانت لا ترد لي طلباً في سنوات طفولتي الأولى، وكنت أعاندها إن تأخرت في تلبية طلبي فأقف في الشمس، وكانت تتودد لي أن أعود إلى الظل على وعد منها بتحقيقه، ولعل الله أراد أن يعطيني درساً في البر بها، ويلهمني السعي لرضاها فعاقبني أستاذي في السنة الثانية الابتدائية بأن أوقفني مرتين لدقائق في حرارة الشمس إذ لم أكتب واجب الإملاء في الفصل، ولما كبرت حرصت وإخوتي على إسعادها وتعويضها عن سنوات التعب والنصب والمرض. وفي آخر حياتها تعلقت بي وظلت تتابعني في روحاتي وغدواتي، ويضيق صدرها، وتظل تفرك يدا بيد إن سافرت ولم أتواصل معها فور وصولي إلى غايتي رغم ما بلغته من العمر. ثم وقفت في سنوات لاحقة في حياتي العملية الإعلامية في شموس معنوية أراد منافسون لي أو كارهون أن أصطلي بوهجها وهم ينعمون بظلها، لكن الله وفقني وهداني إلى الوقوف في شمس النجاح وثمرته وحلاوته. تعلمت أن الوقوف في الشمس والصمود في وهجها سواء أكانت حقيقية أم معنوية هو سبيل الفلاح والنجاح وتحقيق المراد، واتخذت منه مثلاً في حياتي وزاداً في مسيرتي حققت فيه آمالي وطموحاتي وأهدافي، وصولاً إلى نفحات عليلة في ظل ظليل بتوفيق الله، وقد لا يكون العنوان مرتبطاً بالسيرة كلها ولكنه رمز لها ومدخل إليها. ففي ظل تلك الشموس أكتب سيرتي وذكرياتي مقتبساً عنوانها من وقفاتي فيها في صور معنوية لها دلالات قد تكون تصريحاً أو تلميحاً دفينةً في النفس لا أريد لها أن تؤذي أحداً ممن مروا بي أو مررت بهم في هذه الدنيا الفانية رغم ما لقيته منهم من شغب ونصب». الخضيري مع زملائه الإعلاميين في رحلة إلى بريطانيا عام 1997م