مرت العلاقات السعودية التايلاندية بعدة مراحل اتسمت في بدايتها بالتقارب، ثم شهدت اضطرابات وتخفيض مستوى العلاقات حتى عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرة أخرى في بداية العام الجاري. وتعود العلاقات بين السعودية وتايلاند إلى الخمسينات من القرن الماضي، حيث تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل رسمي في أكتوبر عام 1957، تلاها تبادل السفراء عام 1966. وكانت العمالة التايلاندية موجودة بكثرة في المملكة، إذ كان يصل حجم العمالة التايلاندية في المملكة ل200 ألف عامل حتى أوائل التسعينيات. اقتصاديًا ترتبط السعودية وتايلاند بعلاقات اقتصادية جيدة، ففي عام 2019 وصل حجم الصادرات السعودية إلى تايلاند 18.25 مليار ريال سعودي (4.86 مليار دولار تقريبًا)، وجاء النصيب الأكبر للمنتجات المعدنية تليها الأسمدة ثم المنتجات الكيمياوية، وفي عام 2020 وصل حجم الصادرات السعودية إلى تايلاند ل4 مليار دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن صادرات تايلاند للمملكة تبلغ 1.65 مليار دولار وتتصدر السيارات وقطع الغيار والآلات إلى جانب الأخشاب قائمة أعلى المنتجات استيرادًا من تايلاند. كانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التايلاندي، برايوت تشا- أوتشا، إلى الرياض بداية العام الجاري المحطة الرئيسية في مسار عودة العلاقات بين السعودية وتايلاند. وفي الزيارة التقى رئيس الوزراء بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، اتفقا على البدء في إعادة العلاقات بين البلدين، وتكثيف التعاون الاتصالات بين المسؤولين في القطاعين العام والخاص. كما أسفر اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء التايلاندي وولي العهد السعودي في قصر اليمامة عن استئناف التعاون بين البلدين في عدد من المجالات منها السياحة والعمل والطاقة والأمن الغذائي. وتوالت الزيارات بين الجانبين السعودي والتايلاندي على مدار العام الجاري، من بينها إقامة منتدى الاستثمار السعودي- التايلاندي في مارس الماضي بالرياض وإجراء نائب رئيس الوزراء لمحادثات مع الجانب السعودي لتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وفي الثامن والعشرين من فبراير انطلقت أولى الرحلات التجارية من الرياض إلى بانكوك، بعد توقفها منذ 32 عامًا، حاملة على متنها 56 راكبًا. كما وقعت الرياض وبانكوك على اتفاقية تفاهم لاستقدام العمالة التايلندية الماهرة في مارس الماضي. وأهدى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ما يصل إلى 50 ألف نسخة من القرآن الكريم لمسلمي تايلاند. كما أن معظم الزيارات رفيعة المستوى اتسمت بالطابع الاقتصادي فقد زار محافظ صندوق الاستثمارات العامة تايلاند أعقبها زيارة وزير الاسثتمار فيما أقر مجلس الوزراء المجلس التنسيقي السعودي التايلاندي لتسريع وتيرة التعاون في المجالات المتعددة ونتيجة لعودة العلاقات، دشنت بانكوك تأشيرة خاصة للسياح السعوديين لمدة 30 يومًا يمكنهم الحصول عليها عند الوصول، مما ساهم في ارتفاع عدد السياح السعوديين المسافرين إلى تايلاند، حيث وصل عددهم إلى 35 ألف حتى أغسطس الماضي. وخلال الشهر الجاري زار وفد رفيع المستوى من مندوبي الاستثمار بلغ عددهم 150 شخصًا بقيادة وزير الاستثمار، خالد الفالح، تايلاند لتعزيز علاقات التعاون بين البلدين وللمشاركة في منتدى الاستثمار السعودي- التايلاندي في بانكوك. كم ذكرت وزارة التجارة التايلاندية أن حجم التجارة بين تايلاند والسعودية وصل خلال الشهور التسعة من العام الجاري إلى ما يزيد عن 7 مليارات دولار أمريكي، بزيادة قدرها 65% عن العام الماضي. وتمثل زيارة ولي العهد رئيس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، بدعوة من تايلاند للأمير والمملكة للحضور كضيف في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) التي تستضيفها العاصمة بانكوك، خطوة متقدمة للغاية لتطوير وتعميق التعاون بين الجانبين. ويُتوقع أن ينتج عن الزيارة وضع الخطوط الرئيسية لخطة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين حتى عام 2024، وسيشمل ذلك إيجاد المكان المناسب للسفارة السعودية في بانكوك. إلى جانب تكوين مجلس للتعاون الثنائي بين البلدين لتعزيز الاستثمار المباشر بينهما. واهتم الإعلام التايلاندي بالحديث عن زيارة سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، والاستعدادات التي سبقتها من خلال لقاء وزير خارجية تايلاند بنظيره السعودي في سبتمبر الماضي. ووصفت بعض الصحف التايلاندية الزيارة بكونها "تاريخية" رفعة المستوى ونادرة تترقبها تايلاند لتحقيق علاقات أقوى مع المملكة. فيما أشار محللون آسيويون إلى أن زيارة ولي العهد إلى بانكوك قد تنطوي على تعاون مشترك بين البلدين لتطوير عمليات تصدير النفط والمواد الكيميائية من المملكة إلى جانب مشروعات محتملة للتخزين والتكرير وتمديد التعاون في جانب سلاسل الإمداد. ويرى مراقبون أن تايلاند قد تمثل مركزًا للسعودية في منطقة شرق آسيا وجنوب شرق آسيا لتصدير البترول الخام والكيماويات لباقي دول المنطقة، علاوة على ذلك فإن خبرة رجال الأعمال والمستثمرين التايلانديين في مجالات السياحة والضيافة قد تخدم خطة المملكة في السياحة، إذ يسعى المستثمرون التايلانديون للاستثمار في قطاعات السياحة والفنادق بالسعودية.