في خضم تجاذبات عالمية، وقمم دولية كبرى متزاحمة في الشرق الآسيوي، شارك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حوار قمة المنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "أيبك" في العاصمة التايلاندية بانكوك هذه القمة التي تسعى، إلى زيادة النمو الاقتصادي والرخاء في دول المنطقة، ولتسهيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين أطرافها. ومشاركة ولي العهد تعتبر المشاركة الشرق أوسطية الأولى، في اجتماع القمة كضيف خاص بالتزامن مع زيارته إلى تايلاند لتكون السعودية أول دولة عربية تحظى بدعوة من تايلاند، وتبرز المشاركة السعودية، على حرص الأطراف الآسيوية وتحديدا تايلاند، على التقارب الاستراتيجي مع المملكةً. وتشكل المشاركة السعودية فرصة لمزيد من التعاون بين الرياض ودول آسيا والمحيط الهادئ، التي تتميز بأهميتها الجيوسياسية والاقتصادية المتنامية بخاصة في الفترة الأخيرة. تأتي مشاركة سمو ولي العهد في الحوار غير الرسمي لقادة الدول الأعضاء في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، كأول مشاركة للمملكة في هذا المنتدى، الذي يُعقد في مرحلة حساسة في ظل ما يشهده العالم من أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، كما تعكس دعوة سمو ولي العهد في الحوار غير الرسمي لقادة (APEC) تقديراً عالمياً لمكانة المملكة وقيادتها وإدراكاً لثقلها السياسي والاقتصادي. وتأتي الزيارة رفيعة المستوى بالتزامن مع عودة العلاقات بين الرياض وبانكوك بعد خفضها لما يزيد على ثلاثة عقود، ومن المتوقع أن يتم توقيع اتفاقات لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وزيادة الروابط الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين على هامش القمة، وينظر المحللون في آسيا للزيارة باعتبارها تطلعاً من تايلاند لمزيد من الاستثمارات السعودية في مجالات الطاقة، إلى جانب اعتبارها مركزاً لصادرات النفط السعودي لمنطقة شرق وجنوب شرقي آسيا. ويمثل قرار دعوة المملكة خطوة إيجابية من الدول الأعضاء في المنتدى في ظل تركيز المنتدى على الجوانب الاقتصادية في التعاون المشترك دوليا وتصدر المملكة دول مجموعة العشرين G20 من حيث معدل النمو خلال عام 2022، وفق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر 2022، كما توقع صندوق النقد الدولي أيضاً نمو اقتصاد السعودية لعام 2023 بمعدل 3.7 % بحسب التقرير نفسه، وعلقت وكالة صوت أمريكا VOA على زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ المعروف باسم أبيك، قائلة إن لها دلالة قوية. وقالت ثانيت أفورنزوفان، الأستاذة في جامعة تاماسات التايلاندية: زيارة محمد بن سلمان إلى منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ هي علامة مرحب بها على تعدد الأقطاب للمجموعة ورؤيتها لاقتصاد العالم المستقبلي، وبالنسبة لتايلاند، فإن تطبيع العلاقات والتجارة مع المملكة سيحسن الوضع النفطي بشكل كبير. ويجدر الإشارة إلى أن تايلاند هي إحدى الدول الثلاث الأعضاء في منظمة أبيك التي امتنعت عن التصويت في أكتوبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة محاولات روسيا ضم أربع مناطق من أوكرانيا، وذلك مع كل من الصينوفيتنام. وتأسس المنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في عام 1989 ليعمل على تحقيق الازدهار والنمو الاستقلالي الداخلي لدول آسيا والمحيط الهادئ، والوصول إلى مزيد من الرخاء للشعوب والإقليم من خلال تدعيم النمو المتوازن والشامل والمستدام والخلاق والآمن عبر تسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي، ولدى المنتدى 21 عضواً من بينهم سبعة أعضاء من دول "آسيان"، إلى جانب عدة دول أخرى مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية، وانضمت فيتناموروسيا وبيرو للمنظمة في عام 1998 وكانوا من أواخر الدول المنضمة للمنتدى. ويستخدم المنتدى كلمة "اقتصادات" في وصف أعضاء المنتدى، حيث ينصب تعاون "أبيك" الرئيس على التجارة والاقتصاد، ويتواصل الأعضاء مع بعضهم بعضاً بصفتهم كيانات اقتصادية، ويعمل "أبيك" على ضمان تسهيل حركة البضائع والخدمات والأشخاص بين حدود الدول، ويسهل الأعضاء هذه التجارة من خلال تسريع الإجراءات الجمركية على الحدود ومزيد من الأجواء المناسبة للأعمال وراء الحدود واصطفاف القواعد والمعايير عبر الإقليم، وتسريع إجراءات الرسوم والإصلاحات الهيكلية للوائح التي تنظم التجارة في دول المنتدى إلى جانب ربط الإقليم بعضه ببعض وتحسين التكافؤ الاجتماعي في المنطقة ورعاية الأعمال الصغيرة. كما تستهدف "أبيك" مساعدة كل مواطني آسيا - المحيط الهادئ في المشاركة بالنمو الاقتصادي. وسجلت المملكة ثاني أفضل أداء وتقدمت 8 مراتب في التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2022، كما تسعى المملكة دائماً في خططها التنموية من خلال رؤية المملكة 2030 إلى تحسين بيئة الأعمال وتذليل المعوقات لجعلها بيئة أكثر جاذبية وتحسين البيئة الاستثمارية وزيادة جاذبيتها للمستثمرين المحليين والأجانب وهي جوانب ضمن أبرز المحاور التي يهتم بها المنتدى. وعمل منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ على أن يكون فاعلاً في النمو الاقتصادي وإحدى أهم المنصات الاقتصادية في المنطقة، ونتيجة لعمله ارتفع النمو الاقتصادي، فبحسب ما يؤكد المنتدى تزايد الناتج الإجمالي المحلي في المنطقة من 19 تريليون دولار في 1989 إلى 46.9 تريليون في 2018، كما شهدت شعوب المنطقة ارتفاع الدخل لكل فرد بنسبة 74 في المئة، مع انتشال ملايين من الفقر وتنامي الطبقة المتوسطة في أقل من ثلاثة عقود. وتأتي الاستدامة وهي أحد أهم محاور المنتدى لهذا العام ضمن أهم مستهدفات رؤية السعودية 2030 منذ إطلاقها، حيث تهدف الرؤية إلى الارتقاء بمستقبل المملكة مع التركيز على الاستدامة كمحور أساسي في التخطيط وتأسيس البنية التحتية وتطوير السياسات والاستثمار. كذلك استطاع المنتدى تحقيق التقارب بين الدول الأعضاء وتقليص حواجز التجارة وتسهيل اختلافات القوانين التي يمكن أن تعزز من التجارة، مما أدى إلى زيادة ملاحظة في معدلات الرخاء، وتناقصت معدلات التعريفات الجمركية من 17 في المئة عام 1989 لتصل إلى 5.3 في المئة في عام 2018، وفي الفترة نفسها تضاعف إجمالي التجارة في منطقة المنتدى لما يتخطى سبع مرات، وتشكل مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الوسط الأخضر" معًا خارطة طريق طموحة لا تقود المملكة فحسب، بل وتُسيّر الجهود في المنطقة نحو الاستدامة، حيث ستعمل هذه المبادرات على تقليل الانبعاثات، وزراعة 50 مليار شجرة، وحماية الطبيعة في الأرض والبحر، وتتضمن مبادرة السعودية الخضراء إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وزيادة نسبة المناطق المحمية في جميع أنحاء المملكة إلى أكثر من 30 % من إجمالي مساحة الأرض، أي 645,000 كيلومتر مربع، وهو ما يوازي حجم دولة كبيرة، وكان سمو ولي العهد قد أعلن، خلال مشاركته مؤخراً في القمة الثانية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والتي انعقدت في شرم الشيخ، استضافة المملكة مقر الأمانة العامة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وإسهامها بمبلغ 2.5 مليار دولار، دعماً لمشروعات المبادرة وميزانية الأمانة العامة. كما كشف سمو ولي العهد، في القمة الثانية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، استهداف صندوق الاستثمارات العامة الوصول للحياد الصفري لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول العام 2050، من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، ليكون من أوائل صناديق الثروة السيادية عالمياً، والأول في منطقة الشرق الأوسط، في استهداف الوصول للحياد الصفري بحلول هذا التاريخ، بما يعزز دور الصندوق لاعباً رئيساً في دعم الجهود العالمية في مواجهة تحديات المناخ. وتعمل تايلاند، بصفتها الدولة المضيفة للمنتدى هذا العام، بمنظور جديد لضمان تحقيق نمو أكثر توازناً ومرونة واستدامة، عبر أجندة ترتكز على أربع أولويات هي تعزيز نمو مستدام ومبتكر وشامل، وتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، ودعم المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والابتكار في العصر الرقمي، وترسيخ الأمن الغذائي والزراعة المستدامة. وتلخص تايلاند أولويات سياستها لمنتدى 2022 في جعل أبيك: منفتحاً على جميع الفرص، ومتواصلاً على جميع الصعد، ومتوازناً في جميع الجوانب. في ظل حاجة العالم إلى نقلة نوعية وإجراءات تحقيق اقتصاد أكثر توازناً واستدامة بعد الجائحة، ودعم الجهود العالمية المستمرة في شأن تغير المناخ. وحظيت المملكة بمكانة قيادية في أسواق الطاقة العالمية، وقد وظفت هذه المكانة لتحقيق الاستقرار والتوازن في الأسواق الدولية، وهي تعتبر أن أمن الطاقة واستدامتها موضوعًا ذا أهمية بالغة، ومن هذا المنطلق حرصت على وضع سياسات فعالة لأسواق الطاقة توازن بين أمنها واستدامتها. وسيعمل المنتدى على مناقشة سبل تعزيز التجارة والاستثمار والنمو المستدام، إذ يلعب دوراً حيوياً في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي في ظل أسلوب غير ملزم قانوناً وبيئة ودية. وعقدت العديد من الاتفاقيات على هامش اجتماع القادة الاقتصاديين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك. ويمثل قرار دعوة المملكة خطوة إيجابية من الدول الأعضاء في المنتدى في ظل تركيز المنتدى على الجوانب الاقتصادية في التعاون المشترك دوليا، وتصدر المملكة دول مجموعة العشرين G20 من حيث معدل النمو خلال عام 2022، وفق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر 2022، حيث ثبت الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2022 عند 7.6 %، كما توقع صندوق النقد الدولي أيضًا نمو اقتصاد السعودية لعام 2023 بمعدل 3.7 % بحسب التقرير نفسه.