تقدّم جامعة لندن (تأسست عام 1836) في برنامج الدراسات الدوليّة "مقرّرا أكاديميا" بعنوان "تحوّل القوة في العلاقات الدوليّة: أفول الغرب ومستقبل النظام الدولي"، وفي مفردات المقرّر ترد تساؤلات عن مستقبل النظام الدولي الذي أمسك الغرب بزمامه منذ نهاية الحرب الغربيّة (العالميّة) الثانية، ويناقش المقرر أيضا كيف بدأ اهتزاز النظام العالمي (الغربي) بعد صدمة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وزلزال الأزمة الماليّة عام 2008، وهما حدثان (بحسب المقرّر) تركا الولاياتالمتحدة (قائدة النظام الغربي) في حالة تدهور، وحوّل أوروبا إلى حالة يرثى لها، وأسهم مع عوامل أخرى في تحوّل ميزان القوى جنوبًا وشرقًا إلى آسيا والصين، وحين تضع جامعة لندن هذا المقرر فهي بذلك تستشرف المآلات بوصفها "جامعة الشعب" التي تأسست كبديل علماني لجامعتي أكسفورد وكامبريدج الأرستقراطيتين التي لم يكن يستطيع الالتحاق بهما سوى أبناء الأثرياء والنبلاء. وهذا السؤال "القضيّة" وما يرتبط به هو مسألة بحثيّة متكررة في مراكز الدراسات الغربيّة منذ انهيار الكتلة الشرقيّة وتفرد "القطب الواحد" بإدارة العالم، وتقول بعض الدراسات إن هناك فعلا "تحوّلا" في القوة في طور التكوين وأن الغرب والولاياتالمتحدة في حالة تدهور حاد على الرغم من المزايا الهيكليّة المستمرة التي لا تزال تتمتع بها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون. وترى بعض هذه الدراسات أن المنطقة الآسيويّة، (والصين جزء مؤثر فيها)، احتلت دورًا أكثر أهميّة من أي وقت مضى في الاقتصاد العالمي الأوسع وهذا سيقود بالطبع إلى دور سياسي (وأمنى) كبير. وعلى هذا المنطق تقول مجلة "فورين أفيرز 07 يوليو 2022" إن حرب روسيا في أوكرانيا قد أسهمت في إعادة ترتيب القوى العالميّة، أو سرّعت التحول الذي كان جاريًا بالفعل، بل وكما قالت المجلة أيضا "27 أغسطس 2022" بأن نظريّة العلاقات الدوليّة تشير إلى أن حرب القوى العظمى قادمة لا محالة. وبكل وضوح فالحرب الروسيّة الأوكرانيّة شكلت نقطة التحوّل في فرز العلاقات والأحلاف الدوليّة، وأتاحت لأوروبا التفكير في بناء ذاتها، حتى إن ألمانيا بدأت فعلا في إعادة "عسكرة" نفسها في ظلال الأزمة، وبالطبع هناك دول غربية ثانية (وأخرى مرتبطة بها) بدأت تفتّش دفاترها القديمة والجديدة خاصّة مع أزمات الطاقة التي شكّلتها العقوبات الغربيّة على روسيا. في الشرق الأوسط يبدو أن الثقة في التزام أميركا بالقيادة العالميّة أو حتى الكفاءة لها اهتزّت بشكل كبير بعد مآسي سياسة "الفوضى الخلّاقة" وخذلان الحلفاء، ثم كان الانسحاب الفاشل من أفغانستان، والتدخّلات الأميركيّة (الغربيّة) المرتبكة حيال طهران (النوويّة) ناهيك عن العبث في العراق وسورية ولبنان واليمن وزد عليها إطالة معاناة الفلسطينيين وغياب الحسم في المواقف. * قال ومضى: قمة الصفاقة.. أن تخذلني دوما وتدعي الصداقة.