تشدني القراءة وتلهمني تفاصيل الحياة وأسرارها التي تبوح بها في قصص الآخرين، الخبرات المتراكمة في هرم الحياة هي ما تجعل هذه الأحجية قائمةً على الدوام، لم ينفك رغم تقادم الأيام والسنون، تروقني قصص الأدباء والشعراء والكتّاب وأعني التفاصيل الصغيرة التي عاشوها في حياتهم، تُرى أي جروحٍ تلك التي أنتجت لنا شعراً عظيمًا وشاعرًا فذًا مثل امرئ القيس، أقصد تلك القطرات الصغيرة التي نحتت في صخرة الحياة اسماءً لامعة، أرى تلك التفاصيل الصغيرة لا تقل أهميةً عن حياة الأديب أو الشاعر أو الكاتب مثلها مثل اللوحات الإرشادية على الطرقات والتي تدخلك على حياة الأديب وبها تعرف كيف ولدت القصيدة أو الرواية أو حتى العمل الفني، في التفاصيل ترسم المواقف والأحداث خارطة طريق لكل إنسان فبها يعرف كيف ولماذا ومتى انطلقت الشرارة الأولى في سباق الحياة. قرأت مرةً أن تشارلز بوكوفسكي الكاتب الأمريكي ذا الأصول الألمانية أنه عاش حياة عبثية مليئة بالخمر والسكر والمجون والفشل، حاول الكتابة في بداية شبابه ولكنه رُفض، كتب أول قصة قصيرة في مجلة القصة وهو ابن الرابعة والعشرين وبعدها بعامين نشر قصة أخرى «20 دبابة من كاسيل داون «ولكن مني بخيبة أمل لأنها رفضت من قبل الصحافة الأمريكية هناك بعدها انقطع عن الكتابة قرابة العشر سنوات كانت جلها حالة سكر وعربدة ومجون، بعدها تزوج من الشاعرة باربرا وبعد عامين من ذلك الزواج انفصلا ثم بعد عام انضم لمكتب البريد للعمل هناك وتقريبًا حين مر عام أصيب بحالة انهيار لوفاة جين بيكو كوني حبيبته الأولى وأعظم حب في حياته المليئة بالنساء والعربدة، بعد ذلك انهالت قصائده مما دعا الناشر جون مارتن انيرسل لبوكوفسكي عندما بلغ 49 دعاه مارتن أن يترك البريد ويأتي إليه للكتابة في صحيفة بلاك سبارو فقال بوكوفسكي الآن لدي خيارين .. إما أن أبقى هنا وأصاب بالجنون، أو تجويع نفسي وأكتب.. ولكنني اخترت الموت جوعا وحينما مات طلب أن يكتب على شاهدة قبره كناية عن حياته المليئة بالخيبات والفشل عبارة: «DON'T TRY".. لا تحاول. هنري تشارلز بوكوفسكي.. الشاعر الذي كتب على قبره «لا تحاول»