استعرض معكم اليوم عدداً من الدروس القيادية المستخلصة من غزوة الخندق كما يلي: أولاً: أهمية جمع المعلومات وتحليلها: مهما اختلف الزمن، تظل للمعلومة قيمتها وأهميتها. وتزداد قيمتها في توقيتها وسرعة وصولها إلى مطبخ القرارت بالشكل السليم. ففي حالة غزوة الخندق لعبت المعلومات دوراً محورياً في حسم نتيجة المعركة وذلك عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة مبكرة باعتزام قريش على مهاجمة المدينة مع الأحزاب عبر عمه العباس بن عبدالمطلب وقبيلة خزاعة. وبالمقابل فنجد أن قريشاً وحلفاءها فشلوا في الوصول لأي معلومة مسبقة عن حفر الخندق الذي باغتهم تماما. ونفس الأمر ينطبق على الصحابي نعيم بن مسعود والذي نجح بدهائه في فك الحلف بين قريش ويهود بني قريظة ولم يعرف أحد بإسلامه منهم. وفي زمننا هذا يتمثل التطبيق العملي لهذا المبدأ في الحرص على مواكبة كل جديد في القطاع من تغييرات تقنية واجتماعية والقدرة على استقراء مستقبل الأسواق والمنتجات والمبادرة بصناعة التغيير دون الركون إلى الأساليب التقليدية فقط. ثانيا. الاستشارة وعدم التفرد بالرأي: رغم المكانة الكبيرة للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يحاول أن يستفرد برأيه بل حرص على مشاورة صحابته رضي الله عنهم والاستماع إليهم. ويتمثل ذلك في استماعه لمقترح سلمان الفارسي رضي الله عنه: "إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"، بالإضافة إلى استشارته لكل من سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما حول مقترح أن يعطي ثلث تمر المدينة إلى قبيلة غطفان ليقنعهم بالانسحاب وفض التحالف مع قريش. ولكن رد الصحابيين الجليلي كان: "يا رسول الله؛ إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً لله وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف". فأيد الرسول الكريم رأيهما وقال: "إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة". ثالثا. استقطاب الكفاءات الأجنبية: من الطبيعي أن يميل القائد ويرتاح للتعامل مع أشخاص يشاركونه التفكير والمبادىء والقيم ولا يعترضون كثيراً على قراراته. ونتيجة لذلك تصبح الكثير من المنظمات عبارة عن تكتل لفرق لا تقول إلا "نعم" للمدير. بالمقابل ورغم أن وجود سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي رضي الله عنهم في المدينة كان بدوافع إيمانية وليست إدارية، إلا أن وجودهم والاستماع إلى آرائهم والحرص على الاستفادة من كفاءاتهم درس قيادي مهم في ضرورة الحرص على التنوع والاستماع للآراء المختلفة وتطبيق ما يناسب منها حاجة المنظمات. وهذا ماحصل في غزوة الخندق بتطبيق استراتيجية الخندق التي لم تكون معروفة لدى العرب في الحروب وقتها.ومن المهم هنا الإشارة إلى ضرورة التوازن، فاستقطاب الكفاءات الأجنبية لا يجب أن يعني باي حال تجاهل الكفاءات المحلية أو تهميشها. بالعكس فلا بد أن يكون من أهم عوامل تقييم الكفاءات الأجنبية قدرتها على تمكين وتأهيل الكفاءات المحلية ونقل الخبرات والمعرفة إليها. رابعا. سرعة تنفيذ الأفكار: لم يضيع المسلمون في المدينة الوقت في عمل دراسة جدوى حفر الخندق، بل كانت القدرة على السرعة في التنفيذ وتطبيق الفكرة مباشرة عاملاً مهماً في الانتصار. فلو تأخر حفر الخندق يوماً واحداً لكان من المتعذر على المسلمين صد هجوم قريش وحلفائها على المدينة. وفي الزمن المعاصر، تستهلك الكثير من المنظمات ميزانيات هائلة ووقتاً طويلاً في الدراسات الاستشارية حتى إذا حانت ساعة التطبيق يكون الوقت قد مر وتحتاج الإدارات الجديدة لدراسات مختلفة ومحدثة. وبطبيعة الحال، هذا لا يعني عدم عمل دراسات مسبقة أو الانتقال للتنفيذ بدون استراتيجية واضحة. خامسا. القيادة من الميدان: استغرق حفر الخندق ستة أيام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته في حفر الخندق وتكسير الصخور التي يعجزون عن تفتيتها. ولما كان عدد منهم يربطون حجراً حول بطونهم من الجوع كان الرسول الكريم يربط حجرين ويحرص على مشاركة ما لديه من طعام مع رجاله. وهكذا فتواجد القائد في الصف الأول في أرض الميدان يعطي الحماس والدافع للفريق ويمنح القائد القدرة على فهم المشاكل والتحديات بشكل واضح ومعالجتها بسرعة ومرونة. سادسا) زرع الإيجابية والتفاؤل: في وسط تلك الظروف العصيبة وبينما المسلمون يحفرون الخندق كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر صحابته بفتح الشام والمدائن عاصمة الفرس وفتح اليمن. ورغم رهبة الموقف من حصار قريش وحلفائها وغدر بني قريظة في المدينة فقد كان لتماسك الرسول صلى الله عليه وسلم وصلابته دور مهم جداً في تثبيت المسلمين وصبرهم حتى تحقيق النصر وانسحاب الأحزاب. وفي زمننا هذا وفي كل زمن فالقائد الفذ يحرص على بث الإيجابية ويتعامل بواقعية مع المشاكل المختلفة دون تثبيط أو يأس مهما كان الظروف صعبة والتحديات كبيرة.