مما لاشك فيه أن الوسائل هي الجسر المؤدي إلى تحقيق الأهداف، في حين أن المسار التربوي تحديداً يظل العنصر الأبرز في هذه المعادلة لما له من أهمية في تربية الأجيال واستقرار المجتمعات وتماسكها، الأطفال على سبيل المثال يحبون اللعب في المنزل في الحديقة في الشارع في المدرسة في كل مكان لأنهم مشحونون بطاقة يستوجب تفريغها، ولا يخلو الأمر من شقاوة سواء كانت في تكسير بعض الأشياء أو التشاجر فيما بينهم أو التمرد على الأب أو الأم وعدم الانصياع لأوامرهما، كل هذا ناتج طبيعي لتكوينهم وقلة إدراكهم وصغر عقولهم، غير أن المشكلة تكمن في أهمية تعاطي الكبار مع شقاوة الصغار واستيعاب هذه الإفرازات الطبيعية من وجهة النظر المنطقية، فمن الكبار مَن يكبر فهمه في احتواء شطحات صغيرة ويمررها بصيغة رد الفعل الإيجابي والموازي للخطأ وتعريف الصغير بأن هذا الأمر غير لائق برجل كبير مثله أي أن التأنيب المعنوي له مفعول السحر لاسيما وأنت تمنحه اعتبار الكبار الذي يتباهى به وربطه بعدم لياقة هذا الفعل أو ذاك مما يجعله يعيد النظر في هذه المسألة، لاسيما أنه يرغب في إثبات أنه كبير ولم يعد صغيراً، بمعنى أن المكاسب المعنوية التي ستوفرها للطفل كفيلة بتجنب الخسائر المستقبلية متى ما روعي هذا الجانب، ويجدر التوضيح لماذا هذا الفعل خاطئ لكي يستقر في الذهن كقناعة تعزز وترسخ الامتثال للقيم، وعليك ألا تستبق النتائج وألا تنتظر أن يكون التجاوب بين يوم وليلة، فقد تأخذ المسألة وقتاً أطول مما تتصور، وهذا أمر بدهي، فطول بالك طالما أنها في المسار الصحيح، إذ ينبغي أن تتحلى بأكبر قدر من الصبر وسعة البال لأن مسائل تربية الأجيال من أعقد وأصعب المسائل، وكما أسلفت فإن التركيز على المكاسب المعنوية مع التبرير السهل للعائد من ذلك في سياق التربية الطويل والمجهد أمر بالغ الأهمية، فهو أي الصغير لا يريد المال فهو يستطيع أن يملأ جيوبه من مالك وعن طريق والدته وعيونك طايرة فلا تعول على هذا الأمر كثيراً، فضلاً عن أن عدم إعطائه المال قد يتسبب في أعراض أخرى مؤلمة، وهذه من أخطر المسائل إن لم تكن الأخطر؛ حيث يسهل استدراجه وزجه في طرق عسيرة صعبة ومظلمة. عدم الاهتمام بزعل الطفل على والده ووالدته تصبح معه النتيجة عكسية وبنفس المستوى، لأن الطفل لديه إحساس قوي وعميق في الوقت ذاته. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنك تحفظ له اعتباره وأن له قيمة، وخير دليل على ذلك تأثير زعله فيك وبالتالي فإن زعلك سيؤثر فيه. العنف لن يورث إلا العنف والقسوة لن تجلب أي نتيجة إيجابية سوى المزيد من تسلطه على إخوانه الصغار أو الأطفال الآخرين، وسيعود إلى نفس المشاكسة والشقاوة لأن التمرد صفة يعشقها الصغار ولا يمكن أن يتنازلوا عنها وهي إحدى الأوراق التي يلعبون بها، فإذا أردت إحراق هذه الورقة وإبطال مفعولها فلا تعطيها قيمة لأنك إن ضربته حفظت هذه القيمة للورقة، ومن ثم فإنه سيحافظ عليها باعتبارها إحدى الأدوات التي ترفع ضغطك ويستغلها متى شاء وكيف شاء، وستدور في نفس الحلقة تضربه يتمرد ويعود أقوى من ذي قبل، والنتيجة إضافة عنصر عدائي يضاف إلى قائمة العناصر العدائية التي تمتلئ بها المجتمعات والتي تتشكل في البيوت ليجرك ذلك إلى مشاكل أكبر مع الناس وأطفالهم، الأمر الآخر هو كيف ينسى الرجل أو المرأة أنه في يوم ما كان طفلاً؟ لا شك أن المؤثرات المحيطة من قنوات فضائية إلى أجهزة كمبيوتر إلى جوال وإنترنت تلقي عبئاً على الوالدين بهذا الخصوص وقد تُستخدم كوسائل تمويه لفرض نوايا مختلفة ولا سبيل لمواجهتها إلا بالاستخدام الأمثل للوسائل والأدوات نفسها، وهنا يجب أن يتسع صدرك بقدر اتساع مد هذه القنوات والبرامج. صدقوني إن الرجل يندم كثيراً حينما يضرب أبناءه، على حين أننا نستطيع أن نتحمل لكي نحرق الأوراق التي يلعبون بها، فلنتعامل معهم بمنطق الكبار الند للند ونقترب من عقولهم نحاورهم ونجادلهم ونضرب لهم الأمثلة الجميلة الحية، ونقترب كثيراً من تفكيرهم. حمد عبدالرحمن المانع