تعتبر العلاقات الدبلوماسية حجر الأساس لبناء المكانة الدولية للدول، ومن هذا المنطلق تقوم السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ وثوابت تعمل على تعزيز العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة مع بقية دول العالم. مع حرصها في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى والتي ترتبط معها بمصالح متبادلة تعكس الدور المحوري المتنامي لها في العالمين العربي والإسلامي والتي انطلقت من خلالهما إلى توسيع دائرة حراكها على الصعيد الدولي بتفاعلها مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية مع أخذها بعين الاعتبار كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات. خلال العقود الثلاثة الماضية تشكلت العملية الدبلوماسية السعودية على القيادة المباشرة لثلاث محاور رئيسة وهي: المحور العربي، المحور الخليجي، والمحور الإسلامي واتسعت هذه المحاور لتشمل المحور الدولي بعد الأزمات الاقتصادية والحرب الأوكرانية الروسية. ومع تعدد الأحداث الدولية والمنعطفات السياسية والمتغيرات العالمية عبر الزمن ظلت سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية سياسة ثابتة المبدأ تبحث دائماً عن الحل حين تستعصي الحلول وتقارب وجهات النظر حين يسهل الحياد. امتداد لتاريخ المواقف السعودية في خضم الأحداث الدولية تناولت مؤخراً الصحف العالمية بشكل موسع الوساطة السعودية في الحرب الروسية الأوكرانية والتي بدأت بالإفراج عن عشرة أسرى من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا، وأتى نجاح هذه المبادرة تتويجاً للجهود المبذولة والمساعي القائمة للإفراج عن الأسرى، وقد قامت الجهات المعنية في المملكة بتسهيل وصولهم إلى المملكة ومن ثم إلى بلدانهم مما عزز دور المملكة لتكون بر الأمان للوساطات الدبلوماسية ولهؤلاء الأسرى. لم يكن نجاح المبادرة السعودية إلا نتاج خطوات واثقة عملت عليها المملكة لتكوين علاقاتها الدولية مع كافة الأطراف والدول والذي أهلها لأن تكون دولة راعية للسلام وداعمة للأمن الدولي. كما أن الثقل السياسي والمكانة الدولية والعلاقات المتوازنة التي يحظى بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع جميع الأطراف أضفت مزيداً من الثقة لإتمام هذه المبادرة بنجاح، وهذا مؤشر أن الوساطة السعودية مرشحة أن تلعب دوراً أكثر تقدماً في هذا المجال وفي هذه الأزمة تحديداً. تعي المملكة العربية السعودية جيداً دورها كلاعب أساسي في السياسة الدولية عن طريق علاقاتها المتوازنة مع الأقطاب الدولية كافة كما تعي أهمية دورها الأساسي في أسواق الطاقة التي كانت ومازالت أساس تحقيق الاستقرار الدولي والذي نرى تأثره جلياً في الأزمة الأوروبية مع الغاز الروسي كنتيجة مباشرة للحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى نتائج سيكون لها تأثيرها الواضح على العالم أجمع وليس فقط على أطراف النزاع. ساهمت الأزمة الأوربية ببروز أكثر حيوية لدور المملكة العربية السعودية الدبلوماسي فهي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وأهم الدول في ظل استقطاب شديد يتصاعد بين الغرب والشرق في وقت أربكت فيه الحرب الروسية الأوكرانية أسواق الطاقة العالمية وقد فتح ذلك المسار الطريق أمام المملكة لإتمام مساعيها في الوساطة لوقف الحرب والتخفيف من آثارها وهي مسؤولية دولية تضطلع بها السعودية. للمملكة في هذا الشأن أذرعه أساسية، وهي ذراع العلاقات الدولية المتوازنة وذراع الطاقة وذراع العلاقات المتوازنة والقبول من جميع الأطراف، حيث تجد المملكة العربية السعودية أن المصافحة بأي من هذه الأذرع سوف تكون مفيدة وفاعلة في حل الأزمات وتحقيق نجاح دولي منتظر. المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده، حريصة على درء الأضرار التي تسببها الحروب، وهذا ما يجعل من المملكة قاعدة متوقعة لانطلاق النجاحات السياسية تعزيزاً لمكانة المملكة الدولية على الخارطة في ظل استقطاب دولي شديد وأقطاب متعددة للعالم الجديد.