يخدم الهجوم المضاد، الذي يعد المحاولة الأكثر جرأة من جانب كييف لتمتلك زمام المبادرة العسكرية بعد مرور سبعة أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، مجموعة أكبر من الأهداف العسكرية والسياسية الأوكرانية طويلة المدى. ففي أواخر الشهر الماضي أعلن مسؤولو كييف أن أوكرانيا أطلقت هجوما طال انتظاره في منطقة خيرسون، حيث حاولت وحدات أوكرانية اقتحام أول خط دفاعي لروسيا عبر عدة نقاط على طول حدود ميكولايف - خيرسون التي تشهد تنافسا شديدا. وقال الباحث الأميركي مارك إبيسكوبوس في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية: إنه رغم أن الوضع على الأرض لا يزال مائعا، فإن هناك مؤشرات أولية على أن القوات الروسية نجحت جزئيا على الأقل في إحباط النجاحات الأوكرانية الأولية في منطقة خيرسون. وقالت كييف وموسكو إن كلا منهما كبدت الأخرى خسائر فادحة، وزعمت وزارة الدفاع الروسية أن 1700 جندي أوكراني قُتلوا في جبهة خيرسون في اليومين الأولين للهجوم المضاد. من جهة أخرى، قالت وزارة الدفاع الأوكرانية يوم الأربعاء الماضي إن 1450 عنصرا من القوات الروسية قُتلوا في الأيام الأربعة الماضية، ويتعذر التحقق على نحو مستقل من مزاعم كلا الطرفين بشأن حصيلة الضحايا. وأضاف إبيسكوبوس، أن من الصعب بالنسبة لأوكرانيا أن تحقق مكاسب سريعة في الجنوب لأن روسيا كانت تعلم بهجوم مضاد محتمل كان يتم الإعداد له، وكانت تستعد له منذ شهور، وكانت تعزز تدريجيا موقعها في منطقة خيرسون بالدفع بقوات ومعدات إضافية. واستنادا إلى التعزيز غير العادي للقوات الروسية في الجنوب، قدر خبراء غربيون في منتصف شهر أغسطس الماضي أن النافذة لشن هجوم أوكراني مضاد مثمر قد اُغلقت. وأعرب محللون عسكريون عن القلق من أن أوكرانيا سوف تضحى بحماقة بالمزايا الكامنة لشن حرب دفاعية إذا شنت هجوما بريا واسع النطاق ضد عدو يتمتع بالتفوق كماً وكيفا. وبينما كان اهتمام روسيا منصبا على الجنوب، شنت أوكرانيا هجوما مضادا مباغتا في منطقة خاركيف شمال شرقي البلاد. وبدأت القوات الأوكرانية التقدم صوب الشرق في اتجاه ايزيوم وكوبيانسك في محاولة واضحة لقطع طرق رئيسية للامدادات الروسية في المنطقة. ودفع الهجوم الأوكراني في شمال شرقي أوكرانيا فيما يبدو القوات الروسية إلى اتخاذ موقف الدفاع. وقال فيتالي جانشيف، وهو مسؤول نصبه الروس لإدارة منطقة خاركيف لوسائل إعلام روسية: «يتم إبطاء وتأخير تقدم العدو بقدر المستطاع ولكن العديد من المستوطنات قد سقطت بالفعل في أيدي تشكيلات مسلحة أوكرانية». وترددت تقارير ليلة الخميس الماضي أن القوات الأوكرانية دخلت بلدة بالاكليا الواقعة بين ايزيوم ومدينة خاركيف. وكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك اليوم: «كل شيء كما يجب أن يكون. علم أوكراني في مدينة أوكرانية حرة تحت سماء أوكرانية حرة»، مضيفا أن القوات الأوكرانية «حررت العشرات من المستوطنات» في منطقتي خاركيف وخيرسون. وإذا ما تم على نحو مستقل تأكيد النجاحات الأوكرانية التي تم ذكرها، فإنها سوف تكون أول هزيمة كبيرة في ميدان القتال الحقتها أوكرانيا بالقوات الروسية منذ انسحاب الأخيرة من منطقة كييف في شهر مارس الماضي. وتابع إبيسكوبوس أنه رغم فشل خطط روسيا السابقة لتحقيق نصر سريع في أوكرانيا، يواصل الكرملين الاعتقاد بأنه سوف ينتصر في نهاية المطاف لأن الوقت في صالحه. وقام الجيش الروسي بتغيير تكتيكاته من محاولة الاستيلاء على المراكز السكانية الكبيرة إلى إنهاك أوكرانيا من خلال حرب استنزاف. وفي الوقت الذي ينهار فيه اقتصاد أوكرانيا وينضب فيه احتياطيها من القوة العاملة وسط هجوم روسيا، تعتقد موسكو أنه لا محالة سوف تأتي مرحلة، سواء في شتاء العام الحالي أو ربيع عام 2023 أو بعدهما، لن تعد أوكرانيا قادرة فيها على المقاومة بشكل فعال. وعلى نفس المنوال، أشار مسؤولو الكرملين إلى اعتقادهم بأن الغرب ليست لديه الوسائل الفنية ولا الإرادة السياسية لدعم الجيش الأوكراني ليظل قادرا على مواصلة القتال. وربما تهدف الهجمات المضادة التي تشنها أوكرانيا إلى قلب هذه الحسابات رأسا على عقب. وإذا استطاعت أوكرانيا شن هجمات برية فعالة لاستعادة الأراضي المحتلة، فإنها يمكن أن تجعل من المتعذر بالنسبة لروسيا الدفاع عن الوضع العسكري الراهن وتعزز احتمالات استمرار الدعم الغربي لها. غير أن إبيسكوبوس قال إنه مازال من غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا ستصبح قادرة على الحفاظ على مكاسبها الأخيرة في ميادين القتال، التي تم تحقيقها بتكلفة باهظة في القوة البشرية والعتاد. واختتم إبيسكوبوس تقريره بقوله إن الخبراء مازالوا يثيرون تساؤلات بشأن قدرة أوكرانيا على ترجمة نجاحاتها المتفرقة في قري ومستوطنات أصغر إلى أنواع من عمليات برية واسعة النطاق، سوف تكون مطلوبة لطرد القوات الروسية من مواقعها الحصينة في مدن أكبر بما في ذلك خيرسون وميليتوبول وبيرديانسك. وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي حذر يوم الخميس الماضي من أنه من المبكر تقييم تقدم الهجمات المضادة الأوكرانية في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية. وأضاف، «الحرب لم تنته، روسيا دولة كبيرة، ولديها طموحات فيما يتعلق بأوكرانيا».