تتجسد أهمية مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن من منظور "جيواستراتيجي" عالي الأهمية، كون هذا المجلس الذي تم التوقيع على ميثاق تأسيسه في المملكة عام 2018، يأتي تعبيرا عن رؤية أمنية استراتيجية، لحماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية، وتحقيق الاستقرار لدول المجلس ودعم مصالحها المشتركة. وهذا المنظور الأمني الاستراتيجي هو في الواقع من أبرز أهداف إنشاء مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، والذي تنعقد أول قمة له في جدة الأسبوع القادم، والتي وصفها المراقبون في تصريحات ل"الرياض" أنها تعقد في أصعب الفترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم، في ظل التصعيد الذي تقوم به الدول التوسعية، وحروب الممرات المائية العالمية، وحرب الطاقة، إذ يعتبر البحر الأحمر وخليج عدن من الممرات العالمية التي لا يمكن المساس بأمنها واستقرارها كونهما، ممرين مائيين لهما تأثير كبير على حركة التجارة الدولية. * أهمية الدول المشاطئة استراتيجياً لقد استشعر صناع القرار في المملكة مبكراً أهمية وجود مجلس للدول المشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، من خلال اعتبار المخاطر التي قد تتعرض لها دول المجلس بسبب قربهم من مناطق التوتر والمناطق المضطربة، بالإضافة لما تملك هذه الدول من أهمية استراتيجية مرتبطة بأمن الممرات المائية وأمن الطاقة، وهذا ما خلق أهمية بالغة للدول المطلة على البحر الأحمر بتأسيس المجلس. * المملكة صاحبة المبادرة وبادرت المملكة العربية السعودية بقيادة وتأسيس المجلس، بعد إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أهمية إنشائه، ووقع على ميثاق المجلس في الرياض وزراء خارجية الدول الأعضاء، برئاسة سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان. ويضم المجلس ثماني دول، وهي: المملكة العربية السعودية، والسودان ومصر واليمن والأردن وجيبوتي والصومال وإريتريا. * 70 % من احتياطي النفط الجدير بالذكر أن الناتج المحلي الإجمالي لدول البحر الأحمر يتجاوز تريليونًا ومئة مليار دولار؛ في حين يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز هذا الناتج 6 تريليونات دولار بحلول العام 2050. كما أن قرب البحر الأحمر من أعلى مخزون نفطي في العالم زاد من أهمية الممرات المائية فيه، حيث يوجد نحو 70 % من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج العربي، وتعد الممرات المائية في البحر الأحمر طريقا مختصرا للوصول إلى هذا المخزون. ويمكن اعتبار البحر الأحمر وخليج عدن من الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، ليس لأن النسبة الأكبر من صادرات النفط العربي في الخليج تمر عبره فحسب، وإنما لكون حركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أميركا، تمر من خلاله أيضًا، لما له من سواحل طويلة، ومواني تجارية وصناعية مهمة تسهم في حركة التجارة على المستويين الإقليمي والدولي، مثل ميناء جدة وينبع والعقبة والسويس وبورسودان وغيرها، إضافة إلى العائد الاقتصادي الذي توفره هذه المواني لتلك الدول، عبر ما تقدمه من خدمات وتسهيلات تجارية للناقلات التي تمر في البحر الأحمر. * ممرات بحرية استراتيجية مهمة ويأتي توصيف البحر الأحمر بكونه "بحيرة عربية" دولية، من حيث إجمالي عدد السكان "العرب" الذين يعيشون في الدول العربية السبع المشاطئة له، والذي يصل إلى نحو 232 مليون نسمة؛ بل وتتوقع الأممالمتحدة أن يتضاعف عدد السكان في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين. وتبعًا لهذه الأهمية الجيواستراتيجية ولدت فكرة إنشاء "كيان" يجمع الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، حيث عُقِد أول اجتماع على مستوى كبار مسؤولي الدول المشاطئة له، في 11 ديسمبر 2017 بالقاهرة، وهو الاجتماع الذي شدد على أهمية إيجاد آلية للتعاون والتنسيق في مجالات من بينها الأمنية والاقتصادية. ثم، جاء الإعلان عن إنشاء هذا "التكتل"، عبر الاجتماع الثاني الذي استضافته الرياض، في 11 ديسمبر 2018، الذي كان قد ضم وزراء خارجية الدول العربية السبع المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن. عقب ذلك تم تتويج هذه الخطوات بالإعلان عن تأسيس "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، بما يعني التأكيد على أن "المجلس" سوف يُساهم في منع أي قوة خارجية من أن تلعب دورًا سلبيًا في هذه المنطقة التي تتمتع بحساسية استراتيجية خاصة. * الحفاظ على مصالح الدول ويأتي تأسيس المجلس في إطار التوجه إلى التكامل بين هذه الدول، عبر خلق آلية تُمكنها من مواجهة التحديات التي تقابلها في البحر الأحمر، إلى جانب تعزيز آفاق تعاون دول المنطقة أمنيًا وتجاريًا واستثماريًا. إضافة إلى أن البحر الأحمر هو الممر المائي الضيق والطويل، الذي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويقسم العالم العربي إلى قسمين آسيوي وأفريقي؛ حيث يمتد طوليا لمسافة 2350 كلم، ويربط كل من بحر العرب عن طريق باب المندب، والبحر المتوسط عن طريق قناة السويس. وهذا البحر، يُعد أيضا عاملًا مهمهًا له ثقله في التطورات السياسية والعسكرية، والاقتصادية أيضًا، في المنطقة العربية بأكملها. وتتمثل الأهمية الجيواقتصادية للبحر الأحمر، عبر ما يمر به من بضائع وسلع تصل قيمتها إلى نحو2.5 تريليون دولار سنويًا، تُمثل نحو 13 % من التجارة العالمية. وانطلاقاً من المفهوم الجيوسياسي - الأمني للبحر الأحمر باعتباره ممراً مائياً مهماً يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، فإن أي بوادر عدم استقرار حوله ستنعكس عليه مباشرة. * ردع تهديدات أمن البحار ولا يمكن مجابهة هذه المخاطر إلا برسم استراتيجية ضمن مسار متكامل سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعسكرياً للتصدي لأي تهديدات محتملة وهذا ما تهدف اليه قمة جدة القادمة. ويتحدد استشراف الوضع الاستراتيجي في البحر الأحمر وخليج عدن من خلال واقع ومستقبل الطلب العالمي على النفط ومعضلة أمن الطاقة الحالية، والحركة التجارية العالمية وقياس مستويات الأمن، وهذه كلها معطيات تعطينا مؤشراً إلى أنه من الصعب الإخلال بأمن الممرات المائية الحيوية واستحالة تعرضها لإغلاق من أي نوع. ولأسباب منطقية وملحة، تسعى الدول المطلة على البحر الأحمر إلى الدفاع عن أقاليمها وتدعيم قوتها الاقتصادية في مزج بين الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية، لتصبح قوة واحدة تتوافق في المصالح. وأكد مراقبون من الدول المشاركة ل"الرياض" على أهمية توقيت انعقاد القمة في جدة بعد التوقيع على الميثاق والذي سيكون بحضور قادة الدول المشاركة في اجتماع القمة الأسبوع القادم في جدة مشددين على حرص المملكة على التنسيق والتعاون مع شقيقاتها الدول الأعضاء في هذا المجلس لمواجهة تلك التحديات التي تحيط بالجميع. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد وجه الدعوة لقادة دول المجلس للمشاركة في أعمال ومناقشات القمة التي تستمر يوماً واحداً.