تنتشر ملاجئ موقتة في كافة أنحاء باكستان، في مدارس وعلى امتداد طرق سريعة وفي قواعد عسكرية، لإيواء ملايين النازحين والمتضررين من الفيضانات التي تجتاح هذا البلد. غير أن الارتياح إزاء إيجاد برّ أمان يمكن أن يتحول إلى يأس بالنسبة لكثيرين. ففي بلدة ناوشيرا بشمال غرب البلاد تم تحويل كلية للتدريب المهني إلى ملجأ لنحو 2500 من المتضررين في حرّ الصيف مع مساعدات غذائية متقطعة وكمية محدودة من مياه الاغتسال. وقال مالانغ جان "منذ ثلاثة أيام ونحن لا نأكل غير الأرز. لم أتخيل أبدا أن سيأتي يوم نعيش فيه هكذا. فقدنا جنّتنا والآن أُرغمنا على عيش حياة تعيسة". أُنقذت عائلة جان على متن قارب بعد أن غرق منزله في مياه الفيضانات التي غمرت ثلث مساحة البلاد وأودت بحياة أكثر من 1100 شخص وطالت أضرارها عشرات الملايين. تنتشر الخيم في حدائق الكلية، وتمتلئ قاعات الدراسة بعائلات من أوائل الواصلين كانت لها فرصة الحصول على بعض الخصوصية. أما آخرون فيجلسون كتفا إلى كتف في ممرات ومعهم حزم تحتوي على القليل من المقتنيات. وترعى رؤوس ماعز وطيور دجاج انقذت من المياه المرتفعة في حرم الجامعة. تدير المخيم الذي يضم 2500 شخص جمعيات خيرية وأحزاب سياسية ومسؤولون إداريون يعملون على قدم وساق نظرًا لهول الكارثة. ويقوم متطوعون بتوزيع الخيم والفرش والمياه والعدس والخبز. وقال المسؤول القضائي مشفق الرحمن الذي جاء للإشراف على توزيع المساعدات الغذائية نيابة عن الإدارة المحلية "هناك حالة هلع". أضاف "هناك ما يكفي من المواد الغذائية لكن الناس يشعرون باليأس لأنهم غير متأكدين من الحصول على وجبة طعام أخرى". شعور بالذل وقالت ياسمين شاه التي تقيم الآن في إحدى قاعات الكلية مع عائلتها "نحن من البشتون ولا نخرج كثيرا من منازلنا، لكننا الآن مجبرات على الخروج". وأضافت امرأة أخرى تعتني بقريب ضرير "لا يمكنني الخروج من هذه القاعة ما لم أكن مضطرة إلى ذلك". وتصطف نسوة أكبر سنا في طوابير لتأمين حصة من المساعدات الغذائية. تشتد وطأة الحر عندما تتوقف المراوح القليلة التي تعمل، بسبب انقطاع التيار الكهربائي. ولا توجد أماكن للاغتسال ولا تتوفر سوى حمامات معدودة للنازحين. وقال فضل المالك "العيش هنا سيء، كرامتنا مُهانة رائحتي نتنة لكن لا مكان للاستحمام". ويقيم هذا الرجل مع عائلته المكونة من سبعة أفراد في خيمة. أضاف "نساؤنا يواجهن مشكلات وهن أيضا يشعرن بالذل". وعندما تصل المساعدات الغذائية إلى المدرسة يندفع أفراد العائلات اليائسة نحو الشاحنات، ويقوم عناصر من الشرطة المسلحة أحيانا بإبعادهم بعصي طويلة. وقالت ياسمين "الناس يرسلون مواد إغاثة لكن التوزيع ليس منظما بشكل جيد". أضافت "تتكرر المشاجرات ويتعارك الناس للحصول على بعض الطعام. وفي نهاية الأمر يحصل البعض على حصة أكبر فيما لا يحصل آخرون على شيء". أقيم أكبر مخيم للمتضررين في البلدة في أكاديمية لسلاح الجو الباكستاني. وتأوي هذه المنشأة المخصصة للتدريب 3000 شخص. وعلى مقربة من المكان يقوم أفراد مسلحون من أعضاء حزب سياسي محلي بحماية منازل مهجورة مستخدمين قوارب تجديف للتنقل في الشوارع العائمة ومنع أي عمليات نهب. وبالنسبة لبعض الفارين من الفيضانات العارمة فإن المناطق الجافة الوحيدة هي طرق مرتفعة وخطوط سكك حديد وقد لجأ إليها آلاف الريفيين الفقراء مع ماشيتهم. جهود إغاثية تتسارع جهود الإغاثة الثلاثاء في المناطق التي تضربها فيضانات عارمة في باكستان لمساعدة ملايين المتضررين من جراء تساقط أمطار موسمية غزيرة أغرقت ثلث مساحة البلاد وأودت بحياة أكثر من 1100 شخص. تسببت الأمطار المستمرة منذ يونيو بأعنف فيضانات في أكثر من عقد جرفت مساحات من المحاصيل الزراعية الأساسية ودمرت أو ألحقت أضرارا بأكثر من مليون منزل. وتواجه السلطات والجمعيات الخيرية صعوبة في تسريع تسليم مواد الإغاثة لأكثر من 33 مليون متضرر، وخصوصا في مناطق لا يمكن الوصول إليها لانقطاع الطرق وتدمير جسور جرفتها الفيضانات. والمناطق الجافة في الجنوب والشرق محدودة، وتكتظ طرق سريعة مرتفعة وسكك حديد بنازحين فروا من السهول الغارقة. وقالت التلميذة ريمشا بيبي في منطقة ديرا غازي خان بوسط باكستان: "ليس لدينا مكان لطهي الطعام. نحن بحاجة للمساعدة". تتساقط على باكستان أمطار غزيرة، وأحيانا مدمرة، خلال موسم الأمطار السنوي البالغ الأهمية للزارعة ولملء الأنهار والسدود. لكن الأمطار الحالية غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود. وألقى المسؤولون الباكستانيون باللائمة على التغير المناخي الذي يضاعف وتيرة وشدة ظواهر الطقس المتطرفة الشديدة في أنحاء العالم. وقالت وزيرة التغير المناخي شيري رحمن إن "مشاهدة الدمار على الأرض تبعث على الذهول حقا". أضافت "عندما نرسل مضخات مياه يقولون لنا: إلى أين نضخ المياه؟ المكان محيط واحد كبير، لا أرض جافة نسحب المياه إليها". وتابعت أن "حرفيا ثلث" مساحة البلاد تحت الماء، وشبَّهت الكارثة بأفلام الكوارث. وقال وزير التخطيط أحسان إقبال إن باكستان بحاجة لأكثر من عشرة مليارات دولار لأعمال التصليح وإعادة بناء البنى التحتية المتضررة. وأوضح "لحقت أضرار هائلة بالبنى التحتية وخصوصا الاتصالات والطرقات والزراعة وسبل العيش". ونهر السند الممتد على طول الدولة الواقعة بجنوب آسيا، مُهدد بالفيضان على وقع السيول المتدفقة من روافده في الشمال. وسجلت البلاد ككل معدل أمطار موسمية يزيد بمرتين عن المعتاد، بحسب مكتب الأرصاد، لكن متوسط هطول الأمطار في إقليمي بلوشستان والسند بلغ أربعة أضعاف معدلاته في العقود الثلاثة الماضية. مساعدة دولية وتأتي كارثة الفيضانات في أسوأ الأوقات بالنسبة لباكستان التي يشهد اقتصادها انهيارا حادا. وأعلنت حكومتها التي ناشدت المجتمع الدولي المساعدة، حالة طوارئ. وبدأت أولى رحلات الإغاثة مؤخرا بالوصول من تركيا ودولة الإمارات، بينما وعدت دول أخرى منها كندا واستراليا واليابان بالمساهمة. وأعلنت الأممالمتحدة أنها ستطلق الثلاثاء نداء رسميا لجمع 160 مليون دولار من التبرعات لتمويل مساعدات طارئة. وباكستان بحاجة لدعم دولي أساسا وقد فاقمت الفيضانات الصعوبات التي تواجهها. فأسعار السلع الأساسية ولا سيما البصل والطماطم والحمص ترتفع، بينما يتحسر الباعة على نقص الإمدادات من إقليمي السند والبنجاب. ووردت بعض الأنباء الطيبة الإثنين مع إعلان صندوق النقد الدولي الموافقة على برنامج قروض لباكستان يفرج عن شريحة أولى قدرها 1,1 مليار دولار. وتنتشر مخيمات إيواء موقتة في كافة أرجاء باكستان، في مدارس وعلى طرق سريعة وفي قواعد عسكرية.