"المشراق" الذي يستمد تميزه واسمه مما يحظى به من دفء يناله من أشعة الشمس التي تشرق عليه في صباحات الشتاء الباردة، كان العديد من كبار السن قديماً في مدن وبلدات منطقة نجد قبل انتشار وسائل التدفئة الحديثة يحرصون على أن يكون هذا العنصر "المشراق" -أو يماثلة وإن اختلفت مسمياته في مناطق المملكة الأخرى- مكاناً لتجمعهم ضمن الأسواق التقليدية والحارات والأحياء السكنية يتجاذبون فيها أطراف الحديث والتسلية ومعرفة ما يدور في مجتمعهم من أخبار في وقت لم يكن يتوفر فيه أي نوع من وسائل الاتصال أو التواصل أو الترفيه الحالية. اقتصار هذا النوع من نقاط الالتقاء في المدن والبلدات القديمة على كبار السن يعبر من وجهة نظري عن نشوء مبكر لظاهرة من ظواهر الحياة في المجتمع الحضري بمدن المملكة -على نحو غيرها من المجتمعات الحضرية الأخرى حول العالم- هذه الظاهرة هي الشعور بالوحدة وبالذات بين كبار السن التي -ربما- أفرز حجم المعاناة منها عنصر "المشراق" في حواضرهم ومدنهم لتكون نقاط اتصال وتواصل مع محيطهم الاجتماعي، أخذاً في الاعتبار أننا كمجتمع مسلم يتردد أفراده على المساجد خمس مرات في اليوم لأداء الصلاة والالتقاء مع جماعة المسجد لا بد أن تكون هذه الظاهرة أقل في نسبتها وحدتها حين المقارنة مع المجتمعات الأخرى غير المسلمة. فعلى سبيل المثال يعاني من هذه المشكلة حوالي نصف سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية وفقاً لدراسة أجرتها شركة للتأمين الصحي. كما أنه وفقا لاستطلاع أجرته الحكومة الفيدرالية في ألمانيا، يعانى (15 %) من الألمان الذين تتراوح أعمارهم بين (45 74) عاماً من الشعور الشديد بالوحدة. وربما قفزت لنسب أعلى لدى بعض الفئات العمرية. خلاف ما كشفته دراسة عن معاناة تسعة ملايين بريطاني من هذه الحالة المرضية. حجم المشكلات الصحية والنفسية المترتبة على الشعور بالوحدة أو العزلة كبير، فهو يتمثل -وفق ما يشير إليه المعهد الوطني للصحة بالولاياتالمتحدةالأمريكية- في ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والإصابة بالسمنة وضعف الجهاز المناعي والاكتئاب والقلق وتراجع الوظائف الإدراكية والزهايمر وفي بعض الأحيان الوفاة. الإعلان عن بدء أعمال تشييد منطقة "المشراق" ضمن مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية التي تقع في حي عرقة بالعاصمة الرياض، والمستمد تصميمها من تراث المملكة وتهدف إلى تشكيل بيئةٍ مفتوحةٍ تتمحور حول الإنسان وتُلبي احتياجاته، وتكون هي الشريان الحيوي للمدينة، نتطلع لأن تحظى الشريحة التي أسست لهذا العنصر التقليدي في مدننا بنصيب عادل منها، وأن تكون نموذجاً يحتذى به في مدن المملكة الأخرى.